د. لويس حبيقة *
ما الذي يدفع السيدات أكثر فأكثر نحو كل المهن التي كانت محصورة خطأ وتاريخياً بالرجال. لا شك أن تطور الثقافة والتعليم ساهما كثيراً في فتح أبواب كل المهن أمام النساء. أهدافهن تغيّرت أو تعدلت باتجاه تحقيق النجاح المهني والمعيشي كما نحو العيش بحرية واستقلالية عبر تحقيق الذات والتطور مهنياً واجتماعياً والنجاح مالياً. ما الذي دفع نحو هذا التغيير الأساسي في توازن المجتمعات وتغيير هيكلية سوق العمل؟ هل تحققت المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في أسواق العمل؟
سمح تطور الطب بتأخير الإنجاب وبالتالي تأخير تأسيس عائلة. من نتائجه التعلم أكثر ومدة أطول كما تحقيق حياة مهنية مثمرة. سمح تطور الطب والعلوم للسيدات بتنظيم حياتهن تبعاً للرغبة والحاجة، كما بتحقيق الإنجازات النوعية في كافة الحقول. تطورت القوانين أيضاً لتشجع النساء على العمل كما أن الفرص الشهرية المناسبة التي تعطى لهن بالإضافة إلى إجازات الأمومة هي مهمة جداً لهن وللمجتمع كافة.
أعطيت جائزة نوبل للاقتصاد لسنة 2023 للسيدة «كلوديا غولدن» بسبب البحوث الكبيرة التي قامت بها على مدى عقود بشأن المرأة ودورها وحياتها وحقوقها. تبين لها أن انخراط المرأة في سوق العمل لم يكن دائماً صعوداً. انخفض عدد النساء العاملات مع تطور الاقتصادات من زراعية إلى صناعية بسبب ارتفاع إنتاجية التكنولوجيا الصناعية وعدم الحاجة إلى عدد عمال كبير من الجنسين كما كان الحال في الزراعة. عادت نسبة النساء العاملات لترتفع مع تغير الثقل الاقتصادي لاحقاً من صناعي إلى خدماتي كما بسبب توافر فرص في السياحة وغيرها تناسب تطلعاتهن. أما العمل من المنزل، فيمكن أن يناسبهن خاصة مع وجود أطفالها قربها وهذا ما حصل عالمياً في زمن الكورونا ويستمر لأسباب أخرى تتعلق بالإنتاجية والولاء للمؤسسة ورب العمل.
تشير الدراسات التي قامت بها غولدن على مدى عقود أن هنالك فجوة بين ما تتقاضاه السيدات وما يتقاضاه الرجال لنفس العمل تقدر ب 33% وهذا كبير وغير عادل. من أسباب الظلم، كما تقول، إن النساء تتركن العمل بسبب الإنجاب لسنوات عدة خلال مسيرتهن وبالتالي يسبقهن الرجل. هذا مفهوم من ناحية، لكن من ناحية أخرى هذا ظالم لهن. لذا تقوم التشريعات الجديدة بتعويض هذا الفارق أو بعضه بسبب الحاجة إلى مساهمتهن في النهوض المجتمعي والاقتصادي النوعي والمتواصل. كيف نطالب كمجتمعات بنمو السكان ونحرم الأم أبسط حقوقها؟ لا مجتمعات سليمة من دون أم تأخذ كل حقوقها.
حماية لدور كافة أطراف المجتمع من ناحية إنتاجيتهم في تقديم الأفضل لمجتمعاتهم، هنالك برامج للتنظيم الأسري تريح المجتمعات لكنها تحتاج إلى التمويل المفقود خاصة في الدول التي تحتاج كثيراً إليها. تشير الإحصائيات إلى أن كل دولار يستثمر في هذه البرامج يعطي 8 دولارات كعائد اجتماعي اقتصادي. للاستفادة من تلك البرامج يجب تقوية النظام الصحي الوطني وإعطاء أدوار أكبر لكل أقسام المجتمع وفي مقدمها النساء.
* كاتب لبناني
0 تعليق