بول دريسن *
بينما يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى الفترة الخمسية القادمة للمفوضية والبرلمان الجديدين، يتحدث مسؤولوه عن تأدية دور كامل على المسرح العالمي في الجغرافيا السياسية.
لقد سمعت أوروبا والعالم ذلك من قبل، عندما وعدت أورسولا فون دير لاين ب «مفوضية جيوسياسية» في بداية ولايتها الرئاسية الأولى عام 2019. ولم يحدث ذلك حينها، ومن غير المرجح أن يحدث الآن.
ولكن من باب الإنصاف، كانت خمس سنوات صعبة. أجبرت خلالها جائحة كورونا غير المسبوقة الكتلة على التركيز على القضايا المحلية المتعلقة بالرعاية الصحية والإغلاق وتمويل الديون وتعليم الطلاب. تلاها حرب روسية أوكرانية طاحنة ضمنت أن تظل أولويات السياسة الأوروبية إقليمية إلى حد كبير.
ولكن ربما كانت الضربة الأكثر أهمية لحلم فون دير لاين بإنشاء مفوضية جيوسياسية، هي هوس الاتحاد الأوروبي بالصفقة الخضراء النموذجية. فمن خلال رفع أسعار الطاقة والبتروكيماويات إلى مستويات باهظة، حدّ النظام الممنهج للصفقة الخضراء من القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي، وخاصة في الزراعة والصناعة. وبالتالي، قُلصت طموحات المفوضية الأوروبية دولياً إلى أجندة حمائية محلية مصممة لتقييد المنافسين المحتملين من خلال إقامة حواجز غير جمركية تؤثر في شركاء أوروبا التجاريين وتثير غضبهم، سواء كانوا يتنافسون على الإنتاجية أم التكلفة.
واستشهد الاتحاد الأوروبي ب «أزمة المناخ»، وطالب بقية العالم بتبنّي لوائحه المعوّقة الخاصة به، أو المخاطرة بفقدان الوصول إلى أسواقه. حيث أدت الأسعار المرتفعة للطاقة النظيفة والمتجددة والمستدامة من الرياح والطاقة الشمسية إلى تدمير الوظائف، وجعل التدفئة المنزلية والطعام باهظي الثمن للغاية بالنسبة للكثير من الأسر، مع خفض مستويات المعيشة. كما أجبرت لائحة إزالة الغابات في الاتحاد الشركاء التجاريين الأوروبيين على التصديق على النقاء البيئي لسلاسل التوريد بأكملها.
لقد أظهر تراجع بروكسل الأخير عن اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية أن القانون كان خطأً فادحاً في صنع السياسات المتعلقة بالمناخ والتجارة. وحتى إدارة بايدن-هاريس «الخضراء» الشهيرة، عارضت المقترحات الأوروبية لكونها مرهقة للغاية ومُقدمة على عجل.
تخيل الاضطرار إلى توثيق وتحديد موقع كل حبة كاكاو في قطعة الشوكولاتة، أو كل ذرة قهوة في فنجان الإسبريسو، أو كل رقاقة خشب في تحفة خشبية، أو كل غرام من الكوبالت في البطاريات الاحتياطية والبطاريات الكهربائية للسيارات. فقط بروكسل من يمكنه أن يخترع مثل هذا الجنون! حتى ألمانيا، أغنى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي وربما أكثر المدافعين عن رعاية الكوكب في أوروبا، ترددت في احتمال تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية.
إن عزل الولايات المتحدة، أكبر وأغنى سوق عالمي، والقادرة على الاكتفاء الذاتي والاستجابات العينية للقواعد التجارية العدائية، لا تبدو فكرة ذكية. فالاتحاد الأوروبي لديه مصلحة في تعزيز التجارة الدولية، بدلاً من رفع الحواجز التنظيمية المتعمدة التي لا تستطيع البلدان النامية تحملها، والتي لن تقبلها الاقتصادات المتقدمة أيضاً.
لابد وأن تكون نقطة البداية التحرير وليس رفع الحواجز، والعمل مع شركاء تجاريين حلفاء يتبنّون مبادئ مماثلة. ومع ذلك، فإن قواعد التجارة الحرة الأوروبية تشكل مثالاً للتنظيم الذي يجعل الاتحاد يعمل بنشاط ضد أقرب شركائه. والواقع أن المفوضية الأوروبية لن تجد أي مؤيد لسياسة اتحادها في هذا السياق، باستثناء عدد قليل من المنظمات غير الحكومية التي تعمل على قضية واحدة وحفنة من المسؤولين غير المنتخبين في الكتلة.
إن إحدى المشاكل التي تعيب اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية في إطار الصفقة الخضراء تكمن في تطبيقها العشوائي والعقائدي للتدابير العقابية، بما في ذلك ضد حلفاء مثل ماليزيا والمكسيك وتايلاند والولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن المواد المستهدفة بموجب لائحة إزالة الغابات في الاتحاد الأوروبي (المطاط والقهوة والكاكاو وزيت النخيل والكوبالت) تشكل مكونات أساسية لسلاسل التوريد الأوروبية الخاصة.
فعلى سبيل المثال، يدخل زيت النخيل الماليزي ضمن مكونات بعض أشهر العلامات التجارية للأغذية ومستحضرات التجميل في أوروبا. فضلاً عن ذلك، تمتلك ماليزيا بالفعل معيارها الخاص المستدام للزيوت، وبالتالي لا توجد حاجة إلى لوائح عقابية إضافية على السلعة من الاتحاد الأوروبي. وعلى نحو مماثل، لا ينبغي لبروكسل أن تفرض قيوداً على إزالة الغابات من أجل المعادن والرياح والطاقة الشمسية إذا كان الشركاء التجاريون من الدول يحاولون الامتثال لقواعد المناخ والبيئة في الاتحاد الأوروبي.
لقد انخرط الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات الخمس الماضية في مزيد من التنمر أكثر من التعاون تجاه الدول الأعضاء والشركاء خارج الاتحاد. في التجارة على سبيل المثال، غالباً ما تغلبت الحواجز الأحادية والعقابية للصفقة الخضراء على الحوار والتعاون. ونادراً ما نجح هذا النهج الذي أثار غضب الجميع من الشركات الأوروبية والأمريكية إلى المزارعين الصغار الآسيويين.
من المؤكد أن المفوضية الأوروبية الجديدة ستنال نصيبها من الأمور غير المتوقعة خلال فترة ولايتها الممتدة لخمس سنوات. ولكن يجب عليها على الأقل أن تحاول تجنب الإصابات الذاتية واختيار النمو الاقتصادي بدلاً من اللوائح المناهضة للمنافسة. ولا شك أن إدارة ترامب القادمة والكونغرس «الجمهوري» سيطبقون هذا النهج.
* زميل في منظمة «كوميتي فور كونستراكتيف تومورو» ومركز الدفاع عن المشاريع الحرة «أوراسيا ريفيو»
0 تعليق