د. أيمن سمير
تستعد المؤسســــات الفــــيدرالية والمحاكم في مختلف الولايات مع الجيش الأمريكي لمهمة خاصة واستثنائية في التاريخ الأمريكي عندما يعطي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أوامره التنفيذية في 20 يناير المقبل بطرد نحو 20 مليون مهاجر غير شرعي من البلاد بتكلفة قد تتجاوز تريليون دولار، وهو ما سوف يترك أثراً كبيراً ليس فقــــط علــــى بعـــض قطاعات الاقتصاد الأمريكــــي مـــثل القـــطاع الزراعي، لكن أيضـــــــاً ســــيترك أثراً غائراً علـــى المســــتوى الاجتمــــاعــــي حــــيث سيؤثر هذا الأمر علــــى نحو 4 مــلايين أســـرة مختلطــــة تجمع بين مهاجرين شرعيين وباتوا يحملوا الجنســــية الأمريكـــية، وبين هؤلاء الذين لم يستوفوا بعد إجراءات حصولهــــم على «البطاقة الخضراء»، الأمر الذي يمكـــن أن يقود إلى تدمير وتفكيك كل هذه الملايين من العائلات.
في الوقت الذي يستعد فريق الرئيس ترامب لتنفيذ «أكبر عملية ترحيل» في تاريخ الولايات المتحدة تعمل المنظمات الحقوقية والإنسانية، وبعض أعضاء الكونجرس من الليبراليين والتقدميين على رفع سلسلة من الدعاوي القضائية ضد كل الحجج السياسية، والأسانيد القانونية والدستورية التي سوف يعتمد عليها ترامب في طرد المهاجرين غير الشرعيين ومنها «قانون غزو الأعداء» وسيستخدمه لتجاوز إجراءات الكونجرس في طرد المهاجرين غير الشرعيين دون الحاجة إلى تصويت الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ بعد أن تأكد للرئيس السابع والأربعين أن بعض زعماء الجمهوريين مثل السيناتور راندل بول لن يدعم خطته، ويؤكد دعاة حقوق الإنسان والحقوق المدنية أن طرد المهاجرين غير القانونيين لا يتفق مع روح ونص قانون «غزو الأجانب» حيث إن هؤلاء المهاجرين والدول التي قدموا منها لم يغزوا الولايات المتحدة وليس جميعهم أعداءً لها.
في المقابل يقول ترامب: إنه ليس ضد الهجرة لكنه يريد تنظيمها وهندستها فزوجته الحالية ميلانيا هي من المهاجرين لأمريكا عام 2001، وحصلت على الجنسية الأمريكية عام 2006، كما أن مارلا ميبلز زوجته الثانية الراحلة وأم ابنته تيفاني كانت مهاجرة من تشيكوسلوفاكيا السابقة، ويؤكد ترامب أنه ليس أول رئيس يقوم بترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وأن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما قام بترحيل نحو 5 ملايين خلال سنوات حكمه الثمانية، وأنه يريد طرد «المجرمين والقتله» والذين صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية، لكن وفق كل الأرقام الرسمية ليس كل المهاجرين غير الشرعيين عليهم أحكام قضائية أو مطلوبين في جرائم، فكل الأرقام والإحصائيات تقول إنه حتى يوليو الماضي يوجد على الأراضي الامريكية نحو 663 ألف مهاجر غير شرعي متهمين في جرائم تتراوح بين القتل والاعتداء الجنسي، والاختطاف وترويج المخدرات والسرقة بينهم 435 ألف مدانٍ بالفعل، ومن ضمنهم نحو 13 ألف متهم بالقتل، فما هي تفاصيل رؤية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لترحيل نحو 20 مليون كانوا «يحلمون بالحلم الأمريكي؟»، وهل يمكن أن تنجح خطط دعاة حقوق الإنسان والحقوق المدنية في وقف خطة ترامب؟، وكيف تختلف خطط ترامب لترحيل هذه الملايين في ولايته الجديدة عن ما كان عليه الأمر في ولايته الأولى؟
«ماجا والصدمة والرعب»
تحت شعارات «الصدمة والرعب»، ومن أجل إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى «ماجا» بنى ترامب دعايته الانتخابية وبرنامجه السياسي على ترحيل نحو 20 مليون مهاجر غير قانوني في البلاد، واعتمد على خطة متكاملة، وفريق سياسي وقانوني غير مسبوق ليس فقط باحترافيته القانونية بل بقناعته الكاملة برؤية وخطط ترامب في تنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ البلاد، وتقوم تفاصيل هذه الخطة على:
أولاً: عملية «أورورا»
أورورا هي مدينة في ولاية كولورادو يقول ترامب: إن عصابات المخدرات والجريمة المنظمة من المهاجرين غير الشرعيين الذين جاؤوا من فنزويلا سيطروا عليها بالكامل، وخاصة منظمة «ترين دي أراجوا»، وتقوم «عملية أورورا» على استهداف المهاجرين الذين لهم ارتباطات بعصابات الجريمة في المرحلة الأولى، ثم ترحيل هؤلاء إلى بلدانهم التي قدموا منها، ويراهن ترامب على أن ترحيل هؤلاء سوف يعطي دفعة سياسية كبيرة لباقي الخطوات، نظراً لمعاناة الكثير من المدن الأمريكية في الولايات الحدودية من هؤلاء الذين لهم سجل إجرامي خطير.
ثانياً: تفعيل قانون «الأعداء الأجانب»
وهو قانون صدر عام 1789، ويسمح للرئيس الأمريكي بتجاوز القوانين وحتى الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب من أجل طرد المهاجرين الأجانب اعتماداً على أنهم يشكلون غزواً للولايات المتحدة الأمريكية، ويرى فريق ترامب الذي جرى تعيينه خصيصاً من أجل طرد المهاجرين بقيادة ستيفن ميلر، وتوم هومان، الرئيس السابق لإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية في ولاية ترامب الأولى أن قانون «غزو الأعداء الأجانب» لن يتم إيقافه مهما كانت الدعاوات القضائية ضده، لأن الوصول إلى قرارات نهائية من المحكمة العليا التي يسيطر عليها الجمهوريون قد يستغرق وقتاً أطول من السنوات الأربع لترامب في الحكم، وهذا يعني أن ترامب يخطط لاعتبار أن تدفق المهاجرين بمثابة «غزو» ضد الولايات المتحدة من قبل شبكات الهجرة الإجرامية، وقد استخدم هذا القانون بالفعل 3 مرات ضد دول كانت في حالة حرب حقيقية مع الولايات المتحدة، لكن الكونجرس هو الذي أعلن هذا في المرات الثلاثة السابقة، وكان أخرها خلال الحرب العالمية الثانية لإعتقال المهاجرين من إيطاليا وألمانيا واليابان حيث كان ضمن من تم اعتقالهم جد المفكر الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»
وتطبيق هذا القانون سوف يسمح لترامب بتهجير الملايين دون انتظار قرار محكمة الهجرة بحق من لم تصل محاكم الهجرة لقرار بشأنهم، لأنه في الوقت الحالي لا يوجد عدد كافٍ من المحاكم أو القضاة للنظر في ملايين قضايا الترحيل، وذلك أن ترحيل مليون مهاجر فقط يحتاج لبناء نحو 1000 محكمة هجرة، فير حين أنه حتى يناير الماضي كان لدى مكتب الهجرة ومراجعة الاستئنافات 601 قاعة محكمة متاحة فقط، يعمل فيها 734 قاضي هجرة، كما أن ترحيل مليون مهاجر سنوياً سيتطلب توظيف 158 قاضياً جديداً للهجرة سنوياً، لكل ذلك يعتقد بعض أعضاء الكونجرس المعتدلين أنه يمكن فقط تطبيق «غزو الأعداء الأجانب» على نحو 663 ألف ممن لهم سوابق جنائية ومرتكبي الجرائم، لكن لا يمكن تطبيقه على المهاجر غير الشرعي الذي يعمل ويدفع الضرائب ولا يوجد بحقه أي تاريخ إجرامي
ثالثاً: الجيش ومدن الخيام
لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة سوف يستخدم رئيس البلاد الجيش في القبض على المهاجرين غير الشرعيين، وبناء «مدن الخيام» لاحتجازهم فيها قبل ترحيلهم، ويسعى ترامب لاستغلال الأراضي الفيدرالية التابعة للمدارس والسجون لبناء هذه الخيام على أن يقوم الجيش بحراسة مدن الخيام هذه حتى لا يهرب منها المهاجرون غير الشرعيين.
رابعاً: نموذج رواندا
هناك تفكير لدى فريق ترامب للاستفادة من «خطة رواندا» التي حاول رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك تطبيقها بنقل المهاجرين إلى بلد ثالث مثل رواندا، على أن يتابع هؤلاء المهاجرين طلبات عودتهم للولايات المتحدة من البلد الثالث، ويعتبر فريق ترامب أن هذا التوجه سوف يكون فقط مع الحالات التي يخشى أصحابها على حياتهم في حال العودة الى بلادهم، لكن السؤال الكبير يتعلق بهذه «الدولة الثالثة» التي يمكن أن تقبل بمهاجرين ليسوا من أبنائها، وعندما تحدث ترامب عن بعض الجزر القريبة من الولايات المتحدة رفضت حكومات هذه الجزر قبول هذا الأمر من جانب حكومة ترامب المقبلة مثل جزر الباهاما، وقال مكتب رئيس وزراء جزر الباهاما، فيليب ديفيس: إن حكومته تلقت اقتراحاً من فريق انتقال ترامب بقبول المهاجرين من دول أخرى، لكن رئيس الوزراء رفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً.
خامساً: العصا والجزرة
كثيراً ما كان يسأل الصحفيون الرئيس ترامب حول كيفية التصرف حال رفض الدول التي جاء منها المهاجرون غير الشرعيين إلى أمريكا، وكانت إجابة ترامب دائماً أنه سوف يستخدم «سياسة العصا والجزرة»، بمعنى أنه سوف يساعد هذه الدول على استيعاب هؤلاء المهاجرين لكن حال رفض تلك الدول مثل هايتي أو فنزويلا فإنه سوف يضاعف العقوبات على هذه الدول، ويمنع المسافرين منها من الدخول للأراضي الأمريكية.
سادساً: طرد مليون مهاجر دون عوائق
بالإضافة لنحو 663 ألف مهاجر لهم سجل إجرامي هناك نحو مليون مهاجر رفضت محاكم الهجرة بالفعل طلبات بقائهم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهؤلاء مدرجون بالفعل على قوائم الترحيل، لكن لم يتم ترحيلهم في عهد بايدن، ولهذا يخطط فريق ترامب لعمل «غارات وتفتيش مفاجىء» على أماكن العمل والمزارع، ومن يثبت من أرباب العمل أو المزارع أنه يوظف العمال الذين لهم تاريخ إجرامي أو أن أسماءهم على قوائم الترحيل، وسبق رفض طلباتهم للبقاء في أمريكا، فإن هؤلاء سوف يتعرضون لعقوبات قانونية ومالية ضخمة جداً.
سابعاً: إغلاق الحدود مؤقتاً مع المكسيك
جمهور ترامب والحزب الجمهوري يثقون بأن الرئيس الـ47 ينفذ كل وعودة، وحتى لا يكون هناك إحباط لدى القاعدة الجمهورية سوف يصدر ترامب في اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض في 20 يناير المقبل سلسلة من الأوامر التنفيذية لطرد المهاجرين غير الشرعيين، وسوف يكون القرار الأول بإغلاق الحدود المكسيكية الأمريكية البرية والتي تبلغ نحو 3145 كلم، والهدف من ذلك السماح لمحاكم المهاجرين الأمريكية بالانتهاء من ملايين القضايا التي لم تنته بعد، لأنه في الظروف العادية والحالية يدخل المهاجر إلى أمريكا بعد عبورهم الحدود المكسيكية الأمريكية لحين صدور قرار من المحكمة، لكن قرار ترامب بإغلاق الحدود يعني أمرين، الأول هو عدم قبول طلبات مهاجرين جدد لحين الفصل في القضايا التي تبحثها محاكم الهجرة في الوقت الحالي، والأمر الثاني تطبيق قانون «البقاء في المكسيك» الذي يعني بقاء هؤلاء على الجانب الأخر من الحدود المكسيكية، وهذا الأمر يعني مزيداً من المعاناة لبعض المهاجرين الذي يقطعوا مسافات طويلة من هايتي وهندوراس وفنزويلا وغيرها للوصول حتى الحدود الأمريكية المكسيكية، ويتهم ترامب إدارة بايدن بأنها سمحت في السنوات الأربع الماضية بدخول نحو 10 ملايين مهاجر غير شرعي ليصل العدد لنحو 20 مليون، ويريد فريق ترامب الاستفادة من بعض الأفكار الأوروبية عبر تطبيق قانون «البقاء في المكسيك»، بمعنى يبقى المهاجر في المكسيك، ولا يدخل إلى أمريكا، ويقدم طلب الدخول الى أمريكا وهو في المكسيك، وحال قبول الطلب وقتها فقط يسمح لهؤلاء بالدخول إلى الولايات المتحدة.
ثامناً: استئناف بناء الجدار
سوف يستأنف ترامب بناء «الجدار العازل» على الحدود المكسيكية، وهو الجدار الذي بدأ فيه أثناء ولايته الأولى، وتتراوح تكلفة استكمال الجدار ما بين 40 إلى 80 مليار دولار، وينبغي أن يغطي مساحة تصل لنحو 1000 كلم، وارتفاعه نحو 20 قدماً، بينما باقي المساحات يمكن أن تغطيها حواجز طبيعية مثل الجبال والمناطق الوعرة، ويعتقد الرئيس ترامب أن 90% من المخدرات والهيروين تدخل البلاد عبر الحدود الجنوبية للبلاد، وقد يحتاج ترامب لإعادة النظر في الشركات التي كانت تنفذ الجدار في ولايته الأولى، لأن موسم الفيضانات عام 2021 دمر الكثير من الحواجز بين ولاية أريزونا والمكسيك، وهذا دفع ترامب للقول: إنه سوف يبني «جداراً قوياً وجميلاً» ومن الفولاذ، وليس من الأسمنت والخرسانة كما كان يعمل في ولايته الأولى.
تاسعاً: دعم الحراسة والأمن
مع الإغلاق المتوقع للحدود، وتسليط وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية على الحشود الهائلة التي سوف تتدفق على الحدود الأمريكية المكسيكية ينوي ترامب زيادة عدد الحراسات والأمن على كافة النقاط الحدودية لمنع تسرب أي مهاجر إلى الولايات المتحدة، ومنها خطوات لزيادة عدد الضباط المسلحين المدعومين بالخيول حتى يستطيعوا القيام بدوريات على مدار الساعة وسط الجبال والهضاب ومصبات الأنهار قرب الحدود مع المكسيك
عاشراً: أغلبية داعمة ضد التحديات
يعلم ترامب أن تطبيق الخطة لن يكون سهلاً، وهناك من يعارضها لأسباب كثيرة، فالبعض يعتبر أنها غير واقعية، والبعض الآخر يتحدث عن تكاليفها الباهظة لأن ترحيل شخص واحد في ولاية ترامب الأولى كلف الولايات المتحدة نحو 10500 دولار، لكن الأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ وحكام الولايات والمحكمة الدستورية العليا تجعل ترامب مطمئناً تماماً بأنه سوف يحصل على ما يريد من الأموال، وعدم وجود أي عوائق قانونية أو تشريعية لتنفيذ خطته في طرد المهاجرين خاصة بعد تعهد حكام غالبية الولايات الحدودية بتقديم دعم كامل وغير مشروط لطرد المهاجرين غير القانونيين.
[email protected]
0 تعليق