انفجارات الخيال العلمي في لبنان - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة حذف

الخميس 19/سبتمبر/2024 - 12:58 م 9/19/2024 12:58:11 PM


فجأة.. تحولت أجهزة الاتصال (بيجر)، التي يمتلكها عناصر حزب الله إلى قنبلة في أيدي أعضائه، وتسببت في سقوط المئات من أفراده وبعض المدنيين بين قتيل وجريح، بعد تفجيرها عن بُعد، وسط تساؤلات عن سبب اللجوء لاستخدام هذا الجهاز تحديدًا وكيفية اختراقه.. وهو الجهاز الذي يعتمد عليه حزب الله بشكل كبير، في التواصل بين أعضائه، بسبب قِدم التكنولوجيا الخاصة به، مما يجعل عملية اختراقه من جانب أجهزة المراقبة والتجسس الإسرائيلية، صعبة، ويلجأ الحزب لاستخدامه للتهرب من قدرات إسرائيل التكنولوجية المتقدمة في المراقبة، خصوصًا في أعقاب مقتل عدد من قادة الحزب في غارات جوية إسرائيلية، لعبت أجهزة الاتصال دور البطل في تحديد أماكن هؤلاء القادة.. ليصبح التفجير الجديد، أكبر اختراق أمني تعرض له حزب الله منذ قرابة عام.
ولم يكد الحزب يلملم شتات نفسه، ومحاولة الوصول إلى أسباب وكيفية ما حدث، مع هذا الجهاز الإليكتروني الصغير، الذي يستخدم في الاتصال، باستخدامه تبادل الرسائل القصيرة والأرقام، ويتميز بسهولة حمله، إلا ووقع الحدث التالي، في اليوم الثاني.. إنفجار أجهزة اللاسلكي (الووكي توكي) التي في حوزة أعضاء الحزب، موقِعة مزيدًا من القتلى والجرحى بين صفوفهم، قبل أن يتخذ الحزب احتياطات من أي نوع، للحيلولة دون اختراق باقي وسائل اتصاله، وهو الذي يعرف أن تكنولوجيا المراقبة الإليكترونية، تلعب دورًا حيويًا في هذه الهجمات، وقال الجيش الإسرائيلي، في وقت سابق، إن لديه كاميرات مراقبة أمنية وأنظمة استشعار عن بعد، في المناطق التي ينشط فيها حزب الله، وإنه يرسل بانتظام طائرات استطلاع مُسيرة عبر الحدود للتجسس على خصمه.. ويعتبر التنصت الإليكتروني الذي تقوم به إسرائيل، مثل اختراق الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، من بين أكثر العمليات تطورًا في العالم.. ومنذ شهرين، قال الجيش الإسرائيلي، إن عملياته (تعتمد على جمع معلومات استخباراتية شاملة ودقيقة عن قوات حزب الله وقادته وبنيته التحتية).
وكعادتها الدائمة، حيال أي تجاوزات ترتكبها إسرائيل في إختراق القانون الدولي، والإنساني منه بالذات، نفى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تورط الولايات المتحدة أو علمها المسبق بالهجوم المنسوب إلى إسرائيل، الذي تسبب في انفجار آلاف من أجهزة الاتصال التي يستخدمها أعضاء حزب الله اللبناني، وقال في مؤتمر صحفي من القاهرة، (لم تكن الولايات المتحدة تعلم بهذه الحوادث، ولم تكن متورطة فيها.. ما زلنا نجمع المعلومات والحقائق.. كنا واضحين للغاية، ولا نزال، بشأن أهمية تجنب جميع الأطراف لأي خطوات من شأنها تصعيد الصراع الذي نحاول حله في غزة).. في حين أكد موقع (أكسيوس) الأمريكي، أن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، اتصل بنظيره الأمريكي، لويد أوستن، قبل دقائق من الهجوم، ليقول له إن إسرائيل على وشك تنفيذ عملية في لبنان، لكنه لم يذكر تفاصيل، (كانت محاولة لإبلاغ واشنطن بأن شيئًا ما سيحدث).
لقد أعادت حوادث التفجير المتزامنة لأجهزة الاتصال، التي استهدفت حامليها من عناصر حزب الله في لبنان، إلى الواجهة، هذه الوسيلة البسيطة المزودة بشاشة صغيرة الحجم، تسمح بقراءة الرسائل أو إظهار رقم مُرسِلها، ويستخدمها عناصر الحزب، لبث رسائل صغيرة مشفرة، حتى في ظل انقطاع الكهرباء والإنترنت، شريطة توفر أبراج بث خاصة.. كما أنها ترفع من مستوى الأمان، لعدم اتصالها بالإنترنت، مما يجنب حاملها أي اختراق سيبراني أو تجسس.. ومع ذلك، تُعيد الضربة الأحدث إلى الواجهة، الحديث عن شبكة اتصالات حزب الله اللبناني، التي يعتبرها جزءًا أساسيًا من منظومة حمايته، لا يقل أهمية عن سلاحه.
تقول التقارير، إن حزب الله بدأ بناء منظومة اتصالاته بعدد من المناطق اللبنانية أوائل التسعينيات من القرن الماضي، أي عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.. هذه الشبكة تنتشر في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث المراكز اللوجيستية الأساسية للحزب.. وفي هذه المناطق، مد الحزب شبكة سلكية تعمل تحت الأرض، وأخرى لا سلكية، عبارة عن خطوط معلقة على أعمدة كهرباء، في الأماكن الأخرى، مثل الشمال وبعض مناطق جبل لبنان.. هذه الشبكة تعتمد على تقنيات متقدمة للتشفير وحماية المعلومات، للحفاظ على سرية الاتصالات، وهي ليست خاضعة لمراقبة الدولة، ومنفصلة عن شبكات الاتصالات اللبنانية الحكومية، مما يجعلها بعيدة عن أي رقابة حكومية، ويتواصل عبرها معظم مسئولي وعناصر الحزب، ومعظم المسئولين العسكريين والسياسيين، والعناصر والأفراد.. وفي حرب يوليو 2006، تعرضت الشبكة لأضرار جسيمة.. وبينما تفاخر حزب الله بأن شبكة اتصالاته كانت سببًا في نجاح عملياته ضد إسرائيل، فإن جزءًا كبيرًا منها تعرض لأضرار جسمية من جراء القصف الإسرائيلي، إلا أن حزب الله استفاد من الدعم التقني الإيراني في إعادة بناء ومد هذه الشبكة بسرعة.. في 2008، حاولت الحكومة اللبنانية تفكيك شبكة اتصالات الحزب أو الحد من نفوذها، باعتبارها انتهاكا للسيادة اللبنانية، مما تسبب في تصعيد عسكري بين الجانبين، عُرف بأحداث السابع من مايو.. وبالرغم من ذلك، فإن الحكومة اللبنانية الآن تعتبر الهجوم الذي طال أجهزة اتصالات الحزب، اعتداء على السيادة اللبنانية، وليس على حزب الله فقط.
ويتساءل الكثيرون: لماذا الآن؟.. هل هناك أهمية أكبر لتوقيت الهجوم؟.
كشف تقرير لموقع (أكسيوس)، أن حزب الله كان يحمل شكوكًا بشأن أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها أعضاؤه، قبل أيام من انفجار الآلاف منها بشكل متزامن في لبنان، بعد أن أثار إثنان من عملاء حزب الله الشكوك حول هذه الأجهزة في الأيام الأخيرة.. وأن قادة إسرائيل (عجّلوا بشن الهجوم، بعد أن انتابهم القلق من احتمال انكشاف زرع المتفجرات في أجهزة البيجر، خصوصًا وأن مصادر أكدت أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) زرع مادة متفجرة في الآلاف من أجهزة (البيجر)، قبل وصولها إلى أيادي أعضاء حزب الله.. حينها، (قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وكبار وزرائه وقادة الجيش وأجهزة الاستخبارات، استخدام النظام الآن بدلًا من المخاطرة باكتشافه من قِبل حزب الله).. وكانت تقارير صحفية تحدثت عن مخاوف إسرائيلية من انكشاف أمر (البيجر)، التي قالت شركة (جولد أبولو) التايوانية، أن أجهزة الاتصال التي انفجرت بشكل متزامن بأيدي عناصر من حزب الله، من صنع شريك مجري، (هذه ليست منتجاتنا من البداية إلى النهاية).. وأن أجهزة النداء التي طلبها الحزب من (جولد أبولو)، تم زراعة متقجرات بداخلها، في وقت ما قبل وصول الأجهزة إلى لبنان، مما يعني، أن إسرائيل (عبثت بهذه الأجهزة قبل وصولها إلى لبنان، من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات بداخل كل منها).. هذه واحدة.
أما الثانية، فإن إحدى الدوافع وراء هجوم أجهزة النداء، كما كان الحال مع اغتيال القيادي السياسي في حماس، إسماعيل هنية، في طهران أواخر يوليو الماضي، هي أن الموساد مصمم على إعادة بناء صورته.. قبل هجوم السابع من أكتوبر، كانت المخابرات الإسرائيلية تتمتع بسمعة شبه خارقة، وغالبًا ما يُعاد سرد إنجازاتها الأسطورية في أفلام الجاسوسية الشهيرة، مثل فيلم (ميونيخ) لستيفن سبيلبرج، وسلسلة (فوضى) الشهيرة على منصة نتفليكس.. حتى الآن، قُتل نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري في بيروت في يناير، وقائد رفيع في حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت يوليو الماضي، بالإضافة إلى هنية بعد ذلك بوقت قصير.
إلى جانب تحسين صورة الموساد، كان لهذه العمليات السرية الإسرائيلية تأثير عملي كبير.. فقد تم تدمير القيادة والسيطرة الخاصة بحزب الله، مما تسبب في مشاكل كبيرة في اتصالاته على المدى القصير.. بالإضافة إلى ذلك، أصيب مئات من مقاتلي حزب الله في يوم، ومن بينهم بعض الذين سيتعرضون لإعاقات طويلة الأمد.. ومن المتوقع أن تأخذ الميليشيات المدعومة من إيران، في اليمن والعراق وسوريا وغيرها، احتياطات أكبر الآن.. يمكن أن يؤدي هذا إلى تغيير طريقة تواصل هذه الجماعات مع بعضها البعض، مما قد يؤثر بشكل مباشر على التنسيق ويعيق قدرتها على شن هجماتها.
●●●
لم يكن حزب الله بحاجة إلى المزيد من الأدلة، على مدى اختراق إسرائيل لشبكة اتصالاته، وقدراتها في الوصول إلى قادته، لكنه حصل على دليل جديد، مع الهجوم غير المسبوق على أجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي، التي تقبع في جيوب الآلاف من عناصره.. هذا التفجير عن بُعد، لم يعطل فقط عنصرًا رئيسيًا من اتصالات الحزب، بل كشف عن هوية الأعضاء، وقتل وجرح العديد منهم و(أذلهم)، بحسب تقرير لموقع (إيه بي سي نيوز) الأمريكي.. ومع أن إسرائيل لم تتبنَّ مسئولية الهجوم، لكنه جاء بعد اغتيال إسرائيل للقائد العسكري الرفيع في حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت أواخر يوليو، واغتيال مفترض لقائد حماس إسماعيل هنية في طهران بعد ساعات فقط.. وهذه المرة، يبدو أن الإسرائيليين تمكنوا من اعتراض وتفجير شحنة من أجهزة النداء التي اشتراها حزب الله بهدف تجنب مراقبة الاتصالات الإسرائيلية عبر الهواتف المحمولة، أو كما قال ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن حزب الله كان يستثمر في أجهزة النداء كوسيلة منخفضة التقنية لتفادي المراقبة الإسرائيلية.. والآن يبدو أن الإسرائيليين تمكنوا من اختراق سلسلة التوريد الخاصة بهذه الأجهزة، وجعلها تنفجر بشكل متزامن، (كان هذا إنجازًا استخباراتيًا كبيرًا من جانب الإسرائيليين، وحزب الله الآن يشعر بأنه مكشوف ويشعر بالضعف).
(هذه الحادثة ستزعزع استقرار الجماعة بشكل أكبر)، هكذا علق ماثيو ليفيت، وقال، (أي شخص يستخدم أي معدات لحزب الله الآن، سيشعر بالقلق من الاعتماد عليها.. أعتقد أن هذا سيؤثر في المدى القريب، وسيكون له تأثير زمني.. أعتقد أنه إذا كنت جنديًا عاديًا أو قائدًا كبيرًا في حزب الله، فستكون عينك في وسط رأسك.. إنهم قادرون على العثور على قائدك الأكبر، ويعلمون بخططك لتنفيذ الهجمات قبل أن تقوم بها، ويمكنهم تفجير جهاز النداء المثبت على حزامك).
ومع أن إجابة السؤال مازالت تحتاج مزيدًا من الوقت، إلا أنه يظل مطروحًا بقوة: كيف فعلت إسرائيل ذلك؟.
الهجوم السيبراني الإسرائيلي (مؤثر ومن طراز فريد)، يجيب الخبير في شئون الأمن القومي، أحمد الشحات، بالقول، (هذا الهجوم تم، إما ببث موجات كهرومغناطيسية تستهدف الأبراج التي تربط أجهزة البيجر، وتُعلي حرارتها من خلال بطاريات الليثيوم، وهو سيناريو مستبعد.. السيناريو الثاني، هو زرع شريحة مُنفذة داخل أجهزة البيجر نفسها، من خلال عمل استخباراتي كبير استهدف الشركة المصنعة).. وعلى أية حال، فإن الهجوم تم الإعداد له منذ فترة زمنية سابقة، بهدف التمهيد لعمل عسكري كبير يربك وسائل القيادة والسيطرة لدى حزب الله، مع استهداف قيادات في الحزب وإرسال رسالة، أن تل أبيب لديها إمكانات خارج الآلة العسكرية المباشرة والتقليدية.. ذلك، في الوقت الذي ليست لحزب الله القدرة على القيام بإجراءات مناسبة لهذه العملية، رغم أنها تفرض عليه ردًا من نوع جديد، يوازن الموقف العملياتي الإسرائيلي.
ومن المتوقع، أن يوسع حزب الله عملياته ضد إسرائيل، باستهداف حيفا والنقب بطائرات مسيرة، وإطلاق صواريخ الكاتيوشا على المستوطنات الإسرائيلية.. علمًا بأن إسرائيل قد تستخدم هذا الهجوم للتمهيد لضرب تمركزات حزب الله جنوبي لبنان، وتهيئة المسرح لعمليات عسكرية أوسع، فيما قالت القناة الرابعة عشر الإسرائيلية، أنه (ابتداءً من الليلة، سينتقل الثقل الأمني والعسكري من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية، بعدما أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن الحكومة الأمنية المصغرة قررت توسيع أهداف الحرب الراهنة، لتشمل إعادة سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم.
●●●
لقد كان زعيم حماس، يحيى السنوار أكثر مكرًا ومعرفة بأساليب إسرائيل من حسن نصر الله، زعيم حزب الله، الذي اكتفي بنصح عناصر حزبه بعدم استخدام أجهزة الهواتف المحمولة، خشية الوصول إليه، دون النظر في وسائل اتصالاتهم الأخرى.. ولأن السنوار قضى جانبًا كبيرًا من عمره في سجون إسرائيل، وتعلم لغتهم، فإنه أدرك وسائلهم وفهم مجريات خططهم.. وفي مقال عنونته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، بـ (النظام البدائي للرسائل المشفرة.. هو من يُبقي زعيم حماس على قيد الحياة)، رأى كاتباه، أن زعيم حركة حماس الحالي، يحيى السنوار، لم يكن ليظل حيًا حتى اليوم، لولا نظام الاتصالات منخفض التقنية، المصقول في السجون، والذي يحميه من الشبكة الاستخباراتية الإسرائيلية.. تجنب السنوار، إلى حد كبير، المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وغيرها من الاتصالات الإليكترونية، التي يمكن لإسرائيل تعقبها، والتي أودت بحياة قادة آخرين للفصائل المسلحة.. وبدلًا من ذلك، فإنه (يستخدم نظامًا معقدًا من الموصلات والرموز والملاحظات المكتوبة بخط اليد، والتي تسمح له بتوجيه عمليات حماس، حتى أثناء الاختباء في الأنفاق تحت الأرض).
ولمحة عن كيفية بقاء السنوار على قيد الحياة، تأتي من الوسطاء العرب الذين نقلوا الرسائل ذهابًا وإيابًا، خلال محادثات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ضمن المحادثات غير المباشرة.. إذ يقوم السنوار (بكتابة رسالة بخط اليد أولًا ومن ثم تُمرر إلى عضو موثوق به في حماس، ينقلها على طول سلسلة من الرسل، وغالبًا ما تكون الرسائل مشفرة، برموز مختلفة لمستلمين مختلفين في ظروف وأوقات مختلفة، بناءً على نظام طوره السنوار وغيره من السجناء، أثناء وجودهم في السجون الإسرائيلية.. لتصل الرسالة بعد ذلك إلى وسيط داخل غزة، أو إلى أحد عناصر حماس الآخرين، الذين يستخدمون الهاتف أو أي وسيلة أخرى، لإرسالها إلى أعضاء الجماعة في الخارج).
يعود هذا النهج البدائي في الاتصالات، إلى نظام استخدمته حماس في سنواتها الأولى، والذي تبناه السنوار، عندما اعتقل عام 1988 وسُجن لاحقًا في سجن إسرائيلي، وأنه على الأرجح تمكن في غزة من إنشاء نظام اتصالات، يتغلب على جمع المعلومات الاستخباراتية الحديثة.. لذلك، أصبحت أساليب اتصالات السنوار أكثر حذرًا وتعقيدًا، خصوصا بعد تمكن إسرائيل من العثور على قادة رفيعي المستوى وقتلهم.. ومن غير الواضح، إذا ما كانت تأخيرات الاتصال التي تحصل أحيانًا أمرًا تكتيكًا تفاوضيًا، أم انعكاسًا لبروتوكولات السنوار الصارمة.. وذلك نظرًا لتمكن السنوار من التواصل بسرعة، عندما يكون ذلك ضروريًا، كما حدث عند مقتل أبناء هنية، أو رسالته مؤخرًا لزعيم حركة أنصار الله الحوثية.
●●●
ما حدث في لبنان على مدى اليومين الأخيرين، وضع إسرائيل في حالة تأهب للتصعيد من حزب الله.. إذ بدأت اجتماعات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف جالانت، والقيادة الأمنية، في (ملجأ) القيادة في وزارة الدفاع بتل أبيب، وأبلغ قائد الجبهة الداخلية رؤساء السلطات المحلية، باحتمال وقوع تصعيد دون الإعلان عن تعليمات جديدة.. ووجه الجيش الإسرئيلي تعليمات لسكان المستوطنات في مناطق الشمال البلاد، بالجليل الغربي والجليل الأعلى، مع ارتفاع منسوب التوتر مع حزب الله اللبناني.. إذ طلب الجيش الإسرائيلي من سكان تلك المناطق، التقليل من التنقلات، تجنب التجمعات، السيطرة على بوابات المستوطنات وإحكام إغلاقها، البقاء قرب المناطق المحمية، بعد تعهد حزب الله بالرد على إسرائيل، غداة انفجار أجهزة الاتصالات بأيدي عناصره في مناطق مختلفة من لبنان بصورة متزامنة، في ظل المخاوف من اتساع رقعة الحرب المستمرة منذ نحو عام في قطاع غزة.. كذلك، دفع تحميل حزب الله إسرائيل (المسئولية الكاملة) عن الانفجارات، متعهدًا بأن (العدو سينال قصاصه العادل)، عددًا من شركات الطيران العالمية تعليق رحلاتها لإسرائيل، بسبب تصاعد المخاوف الأمنية في المنطقة.
وما بين تأكيدهم النجاح التكتيكي لإسرائيل، وطرح تساؤلات حول الجدوى الإستراتيجية والآثار المحتملة على الصعيدين الإقليمي والدولي.. ناقش كُتاب من الصحف الإسرائيلية آثار التفجيرات التي نُسبت إلى إسرائيل، واستهدفت شبكة اتصالات حزب الله عبر أجهزة البيجر والتوكي ووكي، وأدت إلى مقتل وجرح المئات من عناصر الحزب.
وصف الكاتب في (يديعوت أحرونوت)، آفي يسخاروف، الهجوم بأنه يبدو مأخوذًا من أفلام الخيال العلمي، ويجمع بين التطور والدقة والفتك، ولكنه أكد أن ذلك (يخلق قدرًا كبيرًا من الإحراج على الجانب الآخر ـ حزب الله ـ على أقل تقدير).. واعتبر أن المعنى الضمني لإلحاق الأذى بالآلاف من نشطاء حزب الله في وقت واحد، هو إعلان حرب، ومن المشكوك فيه أن يتمكن حزب الله من كبح جماح نفسه.. وواقع الحرب الواسعة النطاق مع حزب الله، سيتسبب في سقوط العديد من الضحايا في جميع مناطق إسرائيل، ولن يقتصر القتال بعد الآن على الحدود الشمالية.. وسيكون لذلك عواقب اقتصادية هائلة، ولكنه سيضر أيضًا بحياة الإنسان والقدرة على إدارة أنظمة التعليم والصحة.. وطرح عدة أسئلة على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما الغرض من مثل هذه الحرب ضد حزب الله؟.. ما الأهداف التي يمكن تحقيقها؟.. هل سيكون من الممكن إعادة الهدوء إلى الحدود الشمالية وإبعاد عناصر التنظيم عن الحدود؟.. وقدم بنفسه الرد، مؤكدًا أن هذا العمل لن يدفع حزب الله إلى وقف نشاطه الهجومي ضد المستوطنات الشمالية، بل إلى التصعيد.
الحزب لا ينوي الانسحاب بالكامل إلى شمال نهر الليطاني، (لذلك، يمكننا أن نتوقع أيامًا، وربما حتى أسابيع من التصعيد، الأمر الذي قد يجبر الجيش الإسرائيلي في نهاية المطاف على القيام بعملية برية أيضًا، في حين أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يعمل على الأرض في الجنوب ـ غزة ـ ويعاني من خسائر، بما في ذلك في الساعات الأربع وعشرين الماضية).. وفيما توقع أن يتأخر رد حزب الله، لأنه يريد أن يفهم أولًا حقيقة ما جرى ويعالجه، فقد أكد أن رد الحزب قادم لا محالة، وهو مسألة وقت فقط.
واتفق المحلل العسكري لصحيفة (هآرتس)، عاموس هرئيل، مع يسخاروف في تقييمه لهجوم لإسرائيل، مشيرًا إلى أنه يمثل (إنجازًا تكتيكيًا بارزًا)، لكن قيمته الإستراتيجية تبقى مشكوكًا فيها.. واعتبر هرئيل أن سلسلة التفجيرات التي طالت شبكة اتصالات حزب الله، (كشفت عن ضعف كبير في القدرات الأمنية للحزب).. إن نتنياهو قد يسعى لاستغلال هذا التطور لتحقيق مكاسب سياسية، في ظل التوترات الداخلية المتعلقة بتغيير وزير الدفاع يوآف جالانت، لكن يبقى من غير الواضح، ما إذا كانت هذه العملية ستساهم في تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية، في إطار الحرب مع حزب الله.. فإذا قرر حزب الله الرد بقوة على إسرائيل، فإن التصعيد نحو حرب شاملة قد يكون وشيكًا.
لكن المعلق السياسي لصحيفة (معاريف)، ران أدليست، عالج الموضوع من زاوية تأثيره على مواجهة التهديدات الملموسة من إيران، (في الوقت الذي تشتعل فيه حلقة النار في الشمال، لا تزال تشتعل جبهة أخرى ـ في غزة ـ لديها القدرة على التصعيد من لحظة إلى أخرى، بالإضافة إلى الجبهة الثالثة في الضفة الغربية، والتي تقرّب مركز إسرائيل من الجبهة القتالية النشطة، وتتسبب أيضًا في عدد القتلى على أساس يومي).. واعتبر أن الأخطر في كل هذه الجبهات، هي الجبهة مع إيران، التي لا تزال تشكل التهديد الأكثر مباشرة وتدميرًا على الإطلاق.. ولفت الانتباه إلى خطورة سياسة نتنياهو، الذي (ترك الجيش الإسرائيلي والبلد بأكمله ينزف على جميع الجبهات، بينما هو نفسه يشن حربًا انتخابية أمريكية داخلية، تضر بالرئيس جو بايدن، ونائبته المرشحة الرئاسية كمالا هاريس).. منتقدًا نتنياهو بشكل لاذع، (لدينا اليوم أحمقًا يرى نفسه خبيرًا في الولايات المتحدة، فيما هو فشل خلال سنواته في منصبه، في استخدام كل رافعة أمريكية للتوصل إلى اتفاق، وذراعه الوحيدة في الولايات المتحدة هي الإنجيليون، أصدقاء المستوطنين، وهو يقامر بمصير إسرائيل وحياة الجنود والمدنيين، بمراهنته على دخول الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي الحالي، دونالد ترامب البيت، الأبيض من جديد).. إن استمرار التصعيد على كل الجبهات (يستنزف المجتمع الإسرائيلي بالدماء، إلى حد تقويض وجود إسرائيل).
●●●
ويبقى لنا في هذا المقام، السؤال الأهم: هل هواتفنا الذكية معرضة للانفجار؟.
كما اختُرِق (البيجر)، يُمكن اختراق الهواتف الذكية، لكن غالبًا ما سيحتاج تفجير هذه الهواتف إلى زرع متفجرات صغيرة الحجم داخلها، يجرى تفعيلها من خلال برمجيات خبيثة، تُسهم في إطلاق هذه المتفجرات.. هكذا استهل توبي وولش، أستاذ الذكاء الاصطناعي في قسم علوم الحاسوب والهندسة بجامعة نيو ساوث ويلز، إجابته، مؤكدًا أنه صار من الضروري التحري جيدًا عن المصدر الخاص بتوريد أجهزة الاتصالات، التي تتضمن الهواتف الذكية، للتأكد من كون الجهاز آمنًا، (إذا كنت أعتقد أن هناك عدوًا استخباراتيًا لي مثل الموساد أو غيره، فلا بد من خضوع هاتفي الذكي لاختبار أشعة إكس، بهدف تأمين خلوه من أي متفجرات محتملة!).. مع ذلك، لا يرى وولش، أن الهواتف الذكية التي نستخدمها حاليًا، تمثل خطورة واضحة، من ناحية إمكانية تفجيرها.
يتفق مع هذا الرأي، مصطفى بهران، الأستاذ الزائر في قسم الفيزياء بجامعة كارلتون الكندية، فهو يرى أن (عموم الناس لا ينبغي لهم القلق بشأن انفجار هواتفهم الذكية، مع ذلك، من الضروري إدراك أن هذه الهواتف تراقبنا جيدًا.. المسئولون المعرضون إلى الاستهداف من قِبل جهات دولية، قد يحتاجون إلى الشعور بالقلق).. ويرى نواه سيلفيا، محلل أبحاث القيادة والتحكم والاتصال والحاسوب في فريق العلوم العسكرية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية في المملكة المتحدة، أن الوقت لا يزال غير مناسب لتحليل كيفية حدوث تلك الانفجارات.. إلا أنه أوضح أن عملية التفجير تلك، استدعت تحضيرًا واضحًا، وليس من المتوقع تكرارها لاحقًا، لدى أي مجموعة تؤمن خطوط التوريد الخاصة بها.
وقد نقلت وسائل إعلام لبنانية، عن مصادر أمنية أخفت هويتها، (أن أجهزة البيجر احتوت أجزاء يُطلق عليها IC، تضمنت داخلها المواد المتفجرة، واستطاعت الأجهزة المفخخة المرور عبر أجهزة الفحص دون كشفها، وتم تفخيخها لدى مصدر استيرادها)!!.. وأن نوع المتفجرات المستخدمة في أجهزة البيجر هو (آر دي إكس) أو (هكسوجين) عالية التكسير، التي استخدمت كمادة تفجيرية خلال القرن العشرين.. وهنا، توقع الخبراء، أن عملية زرع المتفجرات حدثت، إما خلال عملية التصنيع ذاتها، أو في أثناء نقلها إلى داخل لبنان... ما الذي يدعم ذلك؟.
يؤكد ماهر القاضي، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، أن الرسائل النصية التي تستقبلها أجهزة البيجر، ليس بإمكانها رفع درجة حرارة البطاريات الموجودة داخلها، أما برامج التجسس فتستطيع فعل ذلك، لكن ليس بالحد المطلوب لانفجارها، (قد تُسبب برامج التجسس رفع حرارة البطارية إلى 50 أو 60 درجة مئوية، وهذه الحرارة ـ رغم ارتفاعها ـ غير كافية.. إن انفجار البطاريات يتطلب حدوث سلسلة من التفاعلات الكيميائية عالية السرعة داخل البطارية، وهو أمر لا يتحقق إلا بعد تخطي درجة حرارتها 150 درجة مئوية)، لكنه أشار إلى أنه رصد حالة (صعبة الحدوث) قد تسبب انفجار البطاريات، وهو أن تسبب الرسائل النصية تفعيل (سويتش) يربط الجزء السالب من البطارية بجزئها الموجب، الأمر الذي ينتج عنه حدوث حالة تشبه ما نعرفه باسم (حالة ماس كهربائي) قد تسبب انفجار البطارية.. لكن من الملاحظ، أن كافة الانفجارات حدثت في التوقيت نفسه تقريبًا، الأمر الذي يُخفض فرضية انفجار البطاريات جراء تفعيل (السويتش)، أو جراء سوء الاستخدام، أو عيوب الصناعة، لذا فنحن ـ في أغلب الأحوال ـ أمام هجوم متعمد، لجأ إلى تفخيخ أجهزة البيجر مُسبقًا بأحد أنواع المتفجرات.
ولانفجار البطاريات بشكل عام، ثلاثة أسباب رئيسية.. الأسباب الميكانيكية، إذ تنفجر البطارية إن تعرضت إلى الاختراق بجسم حاد، أو السحق جراء وجود ضغط عالٍ عليها، مثلما هو الحال في السقوط من مكان مرتفع.. الأسباب الكهربائية، كما هو الحال في (حالة الدائرة المغلقة)، وهي مشكلة ترفع درجة حرارة البطارية سريعًا وتسبب انفجارها.. الأسباب الحرارية، وهنا يتوقع ماهر القاضي، أن هذا العامل هو سبب الانفجارات في لبنان، فتعرُّض البطاريات لدرجة حرارة مرتفعة تتخطى 150 درجة مئوية، سيؤدي إلى انفجارها، وهي حرارة يُمكن الحصول عليها عبر استخدام أنواع عدة من المتفجرات، (أعتقد أن ما حدث، هو أنه تم تفعيل متفجرات صغيرة الحجم موجودة في أجهزة البيجر عن بعد، مما أدى إلى رفع درجة الحرارة فجأة وانفجار البطاريات تباعًا).. وانفجار بطاريات الهواتف الذكية أمر نادر الحدوث، إلى جانب أن الانفجارات الناتجة من عيوب الصناعة لا تظهر إلا بعد ما يقارب الثلاثين يومًا من الاستخدام، أي أنها لا تحدث دفعة واحدة، كما رأينا في أحداث لبنان، لذا، فلا ينبغي التخوف من انفجار هذه الهواتف، إلا أنها ـ بالطبع ـ قابلة للتتبع!).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

أخبار ذات صلة

0 تعليق