خمسة أعوام من الإنجاز.. - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إن الاحتفال بذكرى تولي العرش من المناسبات التي تحرص عليها الدول؛ لما لها من أهمية في تعزيز الروابط بين الحكومة والشعب، بين الحاكم وشعبه. إنها مناسبة تربط بين ما تم إنجازه، وما تحقق من عمل، وبين ما يأمله الوطن، وما يريد تحقيقه مستقبلا، فهذا الاحتفال انطلاقة تحمل في طياتها الكثير من المشاعر الصادقة، وتجديد العزم بالبناء والعمل المشترك من أجل رفعة الوطن.

ولقد أطل علينا الحادي عشر من يناير في ذكراه الخامسة، والبلاد تنعم بالكثير من المنجزات التي تدل على حقبة جديدة من التنمية الشاملة في عُمان؛ فمنذ تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وعمان تشهد انطلاقة جديدة في كافة المستويات؛ فبعد أن كانت تواجه العديد من التحديات، خاصة في القطاع الاقتصادي بأطيافه المختلفة، والتي مرَّت خلالها عبر الكثير من المنعطفات التي جعلتها في موقف مالي واقتصادي أقل ما يمكن وصفه بـ(الصعب)؛ كما هو حال دول العالم أجمع في تلك الفترة، ها هي اليوم تزدهر اقتصاديا وتتخطى تلك التحديات بعزم وفق خطة تنموية مدروسة واضحة الملامح.

إن عُمان وهي تحتفل بيوم تولي جلالة السلطان -حفظه الله- مقاليد الحكم، تستذكر الكثير من المتغيرات التي واجهتها قبل سنوات قليلة، لتقدِّم العديد من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز مكانتها باعتبارها وجهة استثمارية إقليميا وعالميا، ولعل تلك الزيارات الرسمية التي قام بها جلالته، والتي توّجت بالعديد من الاتفاقيات على مستوى الاستثمار، والتعاونات الدولية في القطاعات المختلفة خاصة التعليم والسياحة، والثقافة وغيرها، تأتي ضمن أولويات الانفتاح الاستراتيجي وعقد شراكات جديدة، أو توسعة شراكات قائمة، بُغية إيجاد منافذ استثمارية جديدة، تُسهم في رفد الاقتصاد الوطني، وتفتح فرص عمل للشباب.

ولهذا فإن هذه التوجهات الاستثمارية المحلية والدولية أسَّست لعُمان موقعا قياديا تميَّز بالقدرة على التنافسية، من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، لتفعيل التنمية الاقتصادية وحفز نمو الإنتاج المحلي، وبالتالي تحقيق المؤشرات الدولية التي تسعى إليها الدولة. إن هذه الاستثمارات والشراكات جعلت من عُمان إحدى أهم الوجهات الاستثمارية الجاذبة، بل أهم الوجهات الاستراتيجية الآمنة اقتصاديا، والقادرة على النمو والصعود، وهذا ما تقِّر به المؤسسات الدولية من ارتفاع مراكز عمان ومراتبها في التقارير الدولية ليس على المستوى الاقتصادي وحسب، بل حتى في المستويات التنموية الأخرى.

لقد شهدت عُمان خلال السنوات الخمس الماضية زخما كبيرا في العمل الوطني، خاصة في مجال التشريعات والقوانين، التي تم استحداثها أو تجديدها بما يتوافق مع مستجدات المرحلة من ناحية، وأهداف الرؤية الوطنية 2040 من ناحية أخرى؛ فتلك التشريعات والقوانين، تُعَد القاعدة الأساسية للعمل التنموي، والضابط والموجِّه لبناء مرحلة جديدة من عمر الوطن، وتتواكب مع المتغيرات الحديثة وطموحات القطاعات التنموية، إضافة إلى أن تحديث المنظومة التشريعية يتسق مع أهداف الحوكمة والمُساءلة والنزاهة.

لذا فإن تحديث هذه المنظومة جاء ضمن تلك التطورات الإدارية والمالية والفنية التي تتواكب مع سرعة التغييرات وقدرة الدولة على النمو المستدام ضمن مجموعة من الأهداف التي تصبو إليها. إنه تطوُّر يقتضي تشريعات مرنة شاملة، قادرة على مسايرة التطورات واحتوائها من ناحية، وحماية أفراد المجتمع وضمان حقوقهم من ناحية أخرى؛ فما قدمته تلك التشريعات سواء الجديد منها أو المحدَّث، يُعَد إضافة مهمة إلى منظومة التشريعات العمانية، فلكل مرحلة تنموية ما يناسبها من سياسات وتشريعات.

ولعل القوانين العديدة التي تم إصدارها خلال السنوات الخمس كان لها الأثر البالغ في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص، لا سيما تلك القوانين التي تخص تنظيم العمل وضمان حقوق العاملين، إضافة إلى قانون (الحماية الاجتماعية)؛ الذي يمثِّل تطوُّرا كبيرا في حماية حقوق المواطنين خاصة تلك الفئات التي تحتاج إلى الرعاية (كبار السن، والأرامل، والمطلقات، والأطفال)؛ إذ ضمن القانون تمكين المرأة وحماية حقوق الطفل، الأمر الذي يُعَد تقدما ملموسا في هذه المنظومة المهمة لدعم أفراد المجتمع وحماية حقوقهم.

إن ما شهدته التنمية منذ عام 2020 حتى اليوم، يُقدِّم تسارعا في أنشطة القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ولعل الاهتمام بقطاع الثقافة والإعلام كان له الأثر البالغ في تنظيم العمل الثقافي والإعلامي؛ إذ تم إصدار قانون الإعلام الذي يُسهم في حوكمة النشاط الإعلامي ويُعزِّز الشفافية ويرسِّخ قيم الإعلام المسؤول، إضافة إلى أهميته في دعم حرية التعبير عن الرأي، الأمر الذي يضمن حقوق الإعلاميين وتقديم المحتوى الإعلامي بموضوعية وحيادية.

كما أن الاهتمام بالقطاع الثقافي كان له انعكاس مباشر على البنية التحتية والأنشطة الثقافية؛ حيث تم افتتاح متحف عمان عبر الزمان، ووُضِع حجر الأساس لمجمَّع عمان الثقافي، الذي يمثِّل أيقونة الثقافة، وسيكون له الدور المجتمعي في التنمية الثقافية، بما يضمَّه من مرافق ومراكز ابتكار حاضنة لإبداعات الشباب، وممكِّنة لقدراتهم، إضافة إلى ذلك فإن عودة المهرجانات الثقافية كمهرجانات المسرح، ومهرجان الأغنية وغيرها، كان لها الأثر في تنمية قدرات الشباب، وكذلك الجوائز التي تتبنّاها المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة والمدنية، التي كان لها الدور البارز في إنعاش الثقافة وازدهارها خلال السنوات الأخيرة.

فما قدمته جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب منذ إنشائها حتى الآن، يُعَد أحد أهم مختبرات التنمية الثقافية، لما لها من أثر في بناء القدرات والإبداعات الثقافية في كافة المجالات التي تطرقها، فكل دورة من دورات الجائزة تمثِّل إضافة مهمة في تاريخ التنمية الثقافية في عمان، كذلك الحال بالنسبة لجائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري، التي مثَّلت مرحلة جديدة من مراحل تطور مجالات الاهتمام بالثقافة العمانية من ناحية، وتطوير الإبداعات الشبابية في هذا المجال الذي كان للعمانيين فيه تاريخ حافل منذ القِدم.

إننا إذ نحتفل بمرور خمس سنوات من عمر النهضة المتجددة، التي بدأت عهدا جديدا من عمر التنمية الشاملة في عُمان، فإننا لا نستطيع حصر المنجز الحضاري الذي تم خلال هذه المدة القصيرة، فالعمل هائل، والمنجز متسارع، وما قدمته عُمان وأبناؤها من شراكة وتعاون، وما وفَّرته الحكومة من بيئة حاضنة ومحفِّزة للعمل، داعية إلى بذل الجهود، في أفق ممتد لا يعرف الحدود، يدفعنا دوما إلى العمل، وإلى تقديم ما نستطيعه، كلٌ حسب مجاله وقدراته وإمكاناته، فالوطن يحتاج إلينا جميعا، وإلى العمل المشترك الذي يقتضي دعم التنمية المستدامة للدولة، والاستعداد دوما للتحديات التي يمكن أن تواجهها خاصة المتعلِّقة بالقطاع الاقتصادي، والتقني، والاجتماعي.

إن الاحتفاء بالذكرى الخامسة لتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم يمثِّل ذكرى لذلك الخطاب التاريخي الأول الذي ألقاه جلالته -أعزَّه الله- ودعا فيه أبناء الوطن إلى (المساندة)، و(المساعدة) و(تضافر الجهود) من أجل تحقيق الأهداف؛ حيث قال جلالته: (إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة، فينبغي لنا جميعا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه، وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلَّا بمساندتكم وتعاونكم وتضافر كافة الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى، وأن تقدموا كل ما يُسهم في إثراء جهود التطوُّر والتقدم والنماء).

لذلك فإن عُمان اليوم بحكومتها وشعبها الوفي ترتقي إلى هام السماء، وترنو إلى أفق التطوُّر والسمو والنماء، فلنواصل العمل وأن نتحَّمل مسؤولياتنا بكل عزم واقتدار من أجل تحقيق أهدافنا الوطنية، لكي تكون عمان (في مصاف الدول المتقدمة).

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

أخبار ذات صلة

0 تعليق