هل كان طوفان الأقصى كارثيا؟ وهل هُزمنا فعلا وللأبد؟ «1-2» - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

تبسط أجواء الحزن ومناخات الهزيمة جناحيها كطائر الرخ على قلوب وأفئدة كثير من الشعوب العربية. وبعد استشهاد ثلاثي المقاومة العربية إسماعيل هنية وحسن نصر الله ويحيى السنوار وانهيار محور المقاومة وسقوط سوريا أمام ٣ احتلالات أمريكية وإسرائيلية وتركية عاد الإعلام الغربي والصهيوني والصهيوني العربي.. إلى تزوير التاريخ.

حتى ونحن نعيش هذا التاريخ ونقف شاهدين على فصوله يتجاسرون ويصفون طوفان الأقصى بأنه قرار أهوج وخطيئة سياسية وأن إسرائيل لم تتلق هزيمة موجعة بل حصدت النصر المطلق الذي لطالما تحدث عنه نتنياهو.

فهل حقا كانت عملية السابع من أكتوبر فعلا عبثيا؟ هل لم تهزم إسرائيل في بدايتها هزيمة منكرة؟ هل كانت إسرائيل قادرة على الصمود في الحرب واستعادة زمام المبادرة لولا اعتمادها الكامل على السلاح الأمريكي وعلى الاستخبارات الأمريكية؟ هل كانت إسرائيل التي عجزت لأكثر من ٣٠٠ يوم عن تحقيق إنجاز عسكري له قيمة أن تعود لتحقق انتصارات دون الانصياع الرسمي العربي التام للقرار الأمريكي المبكر منذ ٧ أكتوبر ومفاده: اتركوا غزة تباد، لا تمنعوا قتلا، ولا تكسروا حصارا ولا تقطعوا علاقة مع العدو، بل كونوا طرفا في استراتيجية دعم اقتصاد وأمن إسرائيل من جهة واستراتيجية القضاء على حماس ومحور المقاومة من جهة ثانية؟

طوفان الأقصى كان قدرا مقدورا:

الشواهد والتراكمات والتحذيرات كلها كانت وكأنها طرق تؤدي إلى طوفان الأقصى حتى يكاد المرء أن يقول إنها كانت قدرا مقدورا وليس قرارا أهوج لقائد محلي في غزة. في ٢٠٢٣ التي وقع فيها هجوم السابع من أكتوبر كأعظم تحد عربي لمسار النصف قرن من الخضوع لأمريكا دوليا ولإسرائيل إقليميا الذي بدأه الرئيس السادات، تراكمت كل عوامل الانفجار هذه، في هذه السنة حلت الذكرى الثلاثين لاتفاقية أوسلو محمّلة بخيبات ضياع ما يزيد على نصف الضفة الغربية تحت هيمنة المستوطنين وثبت أن الاتفاقية لم تكن طريقا لإقامة الدولة الفلسطينية بل طريق لقضم متدرج لأراضيها وأن سلطة أوسلو لم يتبق منها سوى سلطة تنسيق أمني يحمي الأمن الإسرائيلي وينكل بالمقاومة في مدن ومخيمات الضفة أو كما قال إيلان بابيه: باتت سلطة لإدامة الاحتلال. في هذه السنة وفي سبتمبر الحزين منه أيضا بدا أن مشروع صفقة القرن لشطب القضية الفلسطينية من التاريخ -والذي فشل ترامب في إكماله قبل رحيله عن ولايته الأولى- على وشك أن يستكمل ولكن على يد بايدن. في الهند تم التوقيع على اتفاق ممر استراتيجي يمر بين الهند والخليج عبر إسرائيل وتم الإعلان عن اتفاق تطبيع سعودي - إسرائيلي وشيك في تعميم محتمل لنموذج «السلام الإبراهيمي» الذي يتخلى بمقتضاه العرب عن القضية الفلسطينية سياسيا بعد أن تخلوا عنها عسكريا. الضفة تُسرَق، أي الدولة الفلسطينية لن تكون لها أراض لتقام عليها، والسعودية أكبر دولة عربية بعد غياب الدور المصري منذ ١٩٧٥ قد تنضم بممر بهارات للتطبيع وتقود بمكانتها النفطية والمالية والرمزية الدينية كبلد الحرمين الشريفين باقي العالم العربي والإسلامي إلى خندق التطبيع وتتم ساعتها قراءة الفاتحة على القضية الفلسطينية.

هذا في الدوافع الجيوسياسية الدولية والإقليمية، التي حفرت مجرى نهر طوفان الأقصى، أمّا في الدوافع الفلسطينية/ الإسرائيلية السياسية والاقتصادية والدينية والأخلاقية فحدّث ولا حرج. خرج نتنياهو في ٢٥ سبتمبر قبل ١٢ يوما فقط من طوفان الأقصى حاملا خريطة للمنطقة تمتد فيها إسرائيل من النهر للبحر ومشطوب منها أي ذكر لأرض أو شعب فلسطيني. حكومته المتطرفة لم تقصّر في التمهيد للطوفان فقد رفعت درجة الغليان بانتهاكات إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى وإثارة شعور المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين وبدأت قوات الشرطة تحت إمرته في ممارسة درجات عالية من التعذيب للأسرى الفلسطينيين والأخطر أخلاقيا بدأت عمليات الاعتداء على الحرائر من الأسيرات الفلسطينيات. القدس والأقصى والعربيات الفلسطينيات يتعرّضون للانتهاكات والمزارعون يعتدي عليهم المستوطنون يوميا ويسرقون مزارعهم أو يحرقون المحصول وسط سكوت عربي اللهم إلا من بيانات مسدس الصوت التي تحذّر من انفجار.. في غزة نفسها كانت الدوافع الاقتصادية والسياسية تقود إلى النتيجة نفسها فلقد تباطأت التحويلات القطرية التي كانت ترسل للقطاع بعد إقدام ثلاثي القادة «السنوار وهنية والعاروري» على إعادة العلاقات مع الأسد وإحياء الارتباط التسليحي مع إيران وحزب الله، كما قطع بن غفير أيضا الطريق على دخول العمال الفلسطينيين من غزة للعمل في إسرائيل.. باختصار جرى ضرب الموردَين اللذين يعتاش عليهما سكان القطاع المحاصر كسجن كبير منذ ٢٠٠٧. توصيات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بفتح الباب نسبيا أمام الأيدي العاملة من غزة والتوسط عبر الأمريكيين لدى الدوحة لإعادة وتيرة التدفق المالي لم تلق صدى من نتنياهو المتطرف فكان الانفجار محتوما. فإذا أضفنا إليه الغرور القاتل والثقة المفرطة في أن حركة حماس صارت سلطة ولن تحارب، وانشغال الجيش الإسرائيلي المفرط بالضفة المشتعلة مقاومة في المخيمات آنذاك لكان مفهوما كيف أن السنوار اتخذ القرار المحتوم والضروري وفي اللحظة المثالية لمفاجأة الاحتلال.

طوفان الأقصى كان نصرا عربيا وهزيمة أمريكية وإسرائيلية. كتّاب الافتتاحيات العبرية الناطقة بالعربية التي كان الطوفان قد ألقمهم حجرا عادوا للحديث عن نصر إسرائيلي مطلق وعن هزيمة عربية شاملة فهل لم يكن طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر وصمود المقاومة في غزة عاما ونصف العام تقريبا انتصارا عربيا وهزيمة إسرائيلية؟

نشير بعجالة إلى ما عدده جنرالات إسرائيل ورؤساء وزرائها فقط، «٧ أكتوبر هو أكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل»، «هو أكبر انهيار لفرقة إسرائيلية في تاريخ إسرائيل العسكري (فرقة غلاف غزة)»، «أكبر إصابات وقتلى في يوم واحد منذ نشأة الدولة ومنذ الهولوكوست»، «من أكثر الحروب في الخسائر البشرية فقد تعدت الـ١٢٥٠٠ قتيل وجريح مدني وعسكري منهم نحو ألف من الجنود ربعهم من ٢٥٠ من ضباط النخبة.. انخفاض الروح القتالية وتهرب نحو ٤٠% من الاحتياط عن تلبية الاستدعاء»، «اختطاف نحو مائتين وخمسين أسيرًا بقي منهم أقل من مائة مما مثل وجعا مستمرا في قلب إسرائيل».. «لم يعُد النزوح واللجوء مظهرا فلسطينيا فلأول مرة منذ نكبة الـ٤٨ يذوق الإسرائيليون في مستوطنات الجنوب والشمال مرارة اللجوء مكوّنة مشكلة لاجئين لنحو ١٢٥ ألف إسرائيلي ما زالوا مرتعبين من فكرة العودة لمستوطناتهم خوفا من صواريخ وهجمات المقاومة»، «وصول الصواريخ قلب تل أبيب وبيت رئيس الوزراء وأهم قاعدة جوية في البلاد»، «عدم تحقيق الأهداف من الحرب في غزة يتحدث أهم معلقيهم ناحوم برنياع عن أن الجيش الإسرائيلي ما زال يدفع ثمنا فادحا من القتلى والمصابين في الجيش ومزيدا من القتلى من الأسرى وعدم تحقيق هدف واحد من أهداف غزة وحتى يسرائيل كاتس يعترف بعد عام ونصف العام من الحرب عن الحاجة لتغيير أسلوبها في غزة لأن ما يحدث هو حرب استنزاف فرضتها المقاومة»، «انكشاف إسرائيل كدولة عاجزة عن حماية نفسها دون غطاء أمريكي وعربي في حلف النقب. فصد الصواريخ الإيرانية والحوثية واللبنانية تم بمعاونة كل هؤلاء، وحتى رد الخطر الحوثي تم بمعاونة أطلسية وما زالت حتى الآن عاجزة عن ردعه».

بسقوط سردية الضحية وسقوط فكرة أن إسرائيل الملاذ الآمن لليهود في العالم وانهيار نظرية وقوة الردع الإسرائيلية.. اللطمة التي تلقاها وجه إسرائيل في ٧ أكتوبر تركت ندبة لن تمحى أبدا فيقول أيهود باراك بعد ٧ أكتوبر: يعرف كل مسلم أن بوسعه أن يهاجم إسرائيل ولم تعُد نظرية الردع قائمة. لكن هل حقا خسرنا كعرب الحرب الآن وهل سقط خيار المقاومة للأبد؟

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

أخبار ذات صلة

0 تعليق