خطة شي للردِّ على مناورات ترامب - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: قاسم مكي -

إذا اتَّسمَت سياسة دونالد ترامب تجاه الصين بالغموض والتناقض فاستراتيجية شي جين بينج واضحة وحازمة. مقاربة الرئيس الصيني للرئيس الأمريكي المنتخب ليست سرا. لقد ظلت بكين واضحة تماما منذ الانتخابات بشأن آرائها وردودها المحتملة.

يخطط شي ليس فقط للرد ولكن للاستفادة من تحركات ترامب. فخلال فترته الرئاسية الأولى تعجلت بكين في الرد. وهي عازمة على عدم تكرار ذلك. لقد قطع شي شوطا بعيدا في استعداداته وأشار إلى ذلك.

لم يُفاجأ معظم المحللين الصينيين بانتخاب ترامب. لقد ربطوا عودته بِمَدٍّ عالمي للشعبوية والقومية. وتعتقد بكين أنها الآن تفهم مناورات ترامب ويمكنها التلاعب بإدارته.

ترتكز ثقة الصين على استنتاج (سواء كان صحيحا أو خاطئا) بأن الصين في عام 2025 مختلفة عنها في عام 2017 وكذلك الولايات المتحدة والعالم.

يحاجج العديد من الصينيين بأن شي أقوى سياسيا والاقتصاد أكثر اعتمادا على الذات وأكثر مرونة حتى وسط التحديات الأخيرة. ويعتقد المحللون الصينيون أن اقتصاد الولايات المتحدة أكثر هشاشة والسياسة الأمريكية تعاني من انقسام عميق. وجيوسياسيا، تعتقد بكين أن نفوذ الولايات المتحدة ينحسر في جنوب العالم وآسيا وتأييد رؤية الصين يتصاعد.

سبق أن أشار شي إلى أنه سيتعامل مع علاقاته بترامب على أساس أنها روابط تجارية بحتة لكن على طريقة الدون فيتو كورليوني (كورليوني الشخصية الرئيسية في فيلم المافيا الأب الروحي أو العرّاب ويتصف أسلوبه بالهدوء والحنكة - المترجم). فهو لن يحتفي شخصيا بترامب وسيردُّ في وقت مبكر وبشدة لاكتساب رافعة نفوذ. فقد رفضت بكين في الواقع دعوة ترامب إلى شي لحضور تنصيبه.

لكن بكين تشير، أيضا، إلى رغبتها في الحوار وأنها منفتحة على إبرام صفقة لتجنب رسوم جمركية جديدة.

على أية حال، الصينيون الذين يفضلون التعامل عبر القنوات الخلفية يصارعون لإيجاد القناة الصحيحة لفهم ما يريده ترامب «حقا». الافتراض الأساسي لبكين هو أن واشنطن ستظل هي وحلفاؤها معادية للصين في المستقبل المنظور. لذلك شي مستعد للمفاوضات لأنه يريد التقاط بعض الأنفاس على الجبهة الاقتصادية حتى تتمكن الصين من حشد قواها لتنافس طويل الأمد.

تظل بكين قلقة من أن يتجه فريق ترامب إلى التركيز على فك ارتباط اقتصادي أعمق وعلى تغيير النظام في الصين ودعم استقلال تايوان وذلك كوسائل لاحتواء وضرب استقرار الصين. من هنا جاءت الخطوط الحمراء الأربعة التي أعلن عنها شي خلال اجتماع في نوفمبر مع الرئيس جو بايدن في بيرو وذلك في رسالة واضحة للإدارة الأمريكية القادمة. (الخطوط الحمراء التي حددها الرئيس الصيني في لقائه على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي أبيك في ليما يوم 16 نوفمبر هي مسألة تايوان والديمقراطية وحقوق الإنسان «بالمفهوم الصيني وليس الغربي» ومسار الصين ونظامها وحق الصين في التنمية. وذكر بيان صيني أنه يجب عدم تخطِّيها - المترجم).

تنقسم الردود التي أعدتها بكين لترامب إلى ثلاثة أقسام هي الرد الانتقامي والتكيف والتنويع. مؤخرا أوجدت بكين سلسلةً من ضوابط الصادرات وقيود الاستثمار والتحريات الإجرائية التي لها القدرة على إلحاق الضرر بالشركات الأمريكية. بكين عاجزة عن مقابلة الرسوم الجمركية برسوم جمركية مماثلة لذلك ستسعى إلى فرض تكاليف بطرائق تلحق أكبر قدر من الأذى. وبالنسبة للصين الفشل في الرد الانتقامي سيكون مؤشرا على الضعف داخليا وليس من شأنه سوى تشجيع ترامب.

لقد بدأ الرد سلفا. ففي أواخر عام 2024 أوقفت بكين تصدير معادن بالغة الأهمية إلى الولايات المتحدة تُستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية. وقلَّصت سلسلة التوريد للمسيَّرات المصنَّعة في الولايات المتحدة. وهددت بإدراج شركة ملبوسات أمريكية شهيرة في القائمة السوداء. ودشنت تحقيقا يتعلق بمحاربة الاحتكار ضد شركة انفَيديا. باتخاذها مثل هذه الإجراءات تستعرض بكين قدراتها وتوجد أوراق مساومة في المستقبل.

الاستراتيجية الثانية التي تعتمدها بكين هي التكيف. فمنذ خريف عام 2023 بدأت بكين تحفيزا ماليا ونقديا نشطا لمساعدة الشركات والآن المستهلكين. هذا التحول في السياسات يحقق بعض الآثار الإيجابية وإن لم تكن مُطَّردة. وبالتأكيد هذا التحول مطلوب بشدة. لكن أيضا نطاقه وطبيعته تحددا مع وضع احتمال اندلاع حرب تجارية في البال.

استراتيجية بكين الثالثة تنطوي على توسيع روابطها الاقتصادية. فهي تناقش إجراء تخفيضات في الرسوم الجمركية من طرف واحد على وارداتها من غير شركاء الولايات المتحدة.

في أثناء رحلته إلى بيرو افتتح شي ميناء مياه عميقة يمكن أن يعيد تشكيل تجارة الصين مع أمريكا اللاتينية وهي مصدر رئيسي غير أمريكي للغذاء والطاقة والمعادن. وفي أواخر العام المنصرم شارك شي أيضا ولأول مرة في لقاءات مع رؤساء 10 منظمات اقتصادية دولية كبرى. كانت رسالته واضحة وهي أن الصين ستكون القوة الرائدة لاستقرار اقتصاد العالم وازدهاره وانفتاحه وتعارض كل أشكال الحمائية.

هنالك الكثير الذي يمكن أن يمضي على غير النحو المطلوب. فثقة بكين تماثلها ثقة فريق ترامب. وكلا الطرفين يعتقدان أنهما يملكان اليد العليا ويمكنهما فرض المزيد من التكاليف على الطرف الآخر والصمود في وجه المزيد من الضغوط.

المسرح مُعدّ لدينامية معقدة ومزعزعة للاستقرار ويمكنها في أفضل الأحوال أن تؤدي إلى وقف الصدام ولكن فقط حول القضايا الاقتصادية وليس حول تايوان وبحر الصين الجنوبي والتنافس التقني أو تحديث القوة النووية.

ايفان ميديروس أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون ومستشار أول بمجموعة آسيا وعمل بمجلس الأمن القومي الأمريكي في الفترة 2009-2015.

عن الفاينانشال تايمز

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق