مع بداية ولاية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، برزت عدة مواقف أطلقها، منها مطالبته بخفض أسعار النفط، وبعد انخفاضها، أعلن أنه سيطالب بخفض أسعار الفائدة على الدولار، ورأى أيضًا أنه يجب أن تنخفض أسعار الفائدة عالميًا، جاءت هذه التصريحات خلال كلمته الافتراضية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي يعقد سنويًا في شهر يناير.
كما أطلق تحذيراته المستمرة، حتى قبل توليه الرئاسة، بشأن فرض تعريفات جمركية على الصين وكندا والمكسيك، وكذلك على الدول الأوروبية الصناعية الكبرى، إضافة إلى مواقفه المتكررة حول تشجيع الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، ومطالبته الشركات بإنشاء المزيد من المصانع هناك، ولا يمكن إغفال موقفه الأخير تجاه العملات الرقمية، وتعهداته بجعل الولايات المتحدة مركزا عالميا لهذه العملات.
تأثير ترامب على وول ستريت
بالنسبة للسوق الأمريكي، فإن خفض معدلات الفائدة مستقبلا سيدعم مستويات الأسعار، لكن هناك حذرا من قبل الاحتياطي الفيدرالي بشأن عودة التضخم، مما يجعله يدرس كل البيانات الجديدة بعناية قبل اتخاذ أي قرار، وكما هو معروف، فإن الفيدرالي يهدف إلى تعزيز التوظيف، وتقوية سوق العمل، والحفاظ على استقرار النظام المالي، وضمان استقرار الأسعار والفائدة طويلة الأجل.
جدير بالذكر أن الاحتياطي الفيدرالي أعطى الأولوية لاستقرار الأسعار في السنوات الأخيرة، حتى لو كان ذلك على حساب الاقتصاد، للسيطرة على معدلات التضخم التي ارتفعت بشكل كبير منذ أزمة كورونا.
تصريحات ترامب بشأن خفض الفائدة تتعارض مع موقف الفيدرالي، الذي يسعى للحفاظ على استقلالية قراراته، وقد تحدثت العديد من المقالات والمؤسسات المالية عن احتمال وقوع صدام بين ترامب والاحتياطي الفيدرالي بهذا الشأن، مما قد يؤدي إلى تقلبات في الأسواق المالية، يُذكر أن السوق الأمريكي حقق مكاسب قوية في عام 2024، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 23%، محققا مستويات قياسية عدة مرات.
ووفقا لتوقعات بنك جولدمان ساكس، يُتوقع استمرار ارتفاع الأسواق خلال عام 2025، مع وصول مؤشر ستاندرد آند بورز إلى 6300 نقطة بنهاية العام، مدعوما بتخفيض معدلات الفائدة ونمو أرباح الشركات، ومع ذلك، تختلف آراء المؤسسات المالية الكبرى بشأن أداء السوق الأمريكي في العام الجاري.
تأثير ترامب على أسعار الذهب
حقق الذهب في العام الماضي أقوى أداء سنوي له خلال 14 عاما، حيث ارتفع بأكثر من 27%، محققا أرقاما قياسية على مدار السنة، وتشير التوقعات إلى إمكانية وصول أسعار الذهب إلى 3000 دولار للأونصة قريبًا، مدفوعة بتوقعات خفض معدلات الفائدة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
وأي قرارات مفاجئة من ترامب قد تؤدي إلى زيادة التقلبات في السوق، مما يجعل الذهب وجهة جذابة للمضاربين، وفي المقابل، يترقب فريق آخر من المستثمرين تصحيحا في الأسعار لبناء مراكز استثمارية طويلة الأجل، وبالتالي، تنقسم التوقعات بين من ينتظر التراجع ومن يتوقع استمرار الارتفاعات دون تصحيح.
أداء الذهب خلال الولاية الأولى لترامب
في الفترة بين 2017 و2021، سجل الذهب مكاسب قوية، ففي عام 2017، ارتفعت الأسعار بأكثر من 13.5% من 1150 دولارا إلى 1300 دولار، أما في 2018، فقد تراجعت الأسعار بنسبة 1.6%، لكن الارتفاعات القوية في الأشهر الأخيرة عوضت معظم الخسائر.
وفي 2019، حقق الذهب مكاسب بنحو 18%، مرتفعا من 1280 دولارا إلى 1516 دولارا، أما في 2020، فشهدت الأسواق تقلبات عنيفة بسبب جائحة كورونا، مما دفع الذهب للصعود بنسبة 25%، حيث تخطت الأونصة حاجز 2000 دولار للمرة الأولى في التاريخ، قبل أن تتراجع إلى 1900 دولار.
تأثير التعريفات الجمركية
أما بالنسبة لتأثير التعريفات الجمركية، فإنها تشكل تحديا كبيرا خاصة للدول الصناعية الكبرى مثل ألمانيا، التي تعتمد على التصدير، لا سيما في قطاع السيارات، وأي فرض تعريفات جمركية جديدة قد يضغط على أداء الشركات الألمانية، ما قد يدفعها إلى البحث عن أسواق جديدة لتعويض السوق الأمريكي، وهو أمر ليس سهلا.
وبالنسبة للصين، يسعى ترامب إلى تقليص العجز التجاري الكبير بين البلدين، بينما تواجه بكين تحديات اقتصادية خاصة في قطاع العقارات، الذي لا يزال في مرحلة إعادة الهيكلة.
إضافة إلى ذلك، تواجه شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، التي تُقدّر قيمتها السوقية بمئات المليارات، منافسة شرسة، لا سيما بعد أزمة شركة ديب سيك، التي أدت إلى ما يُعرف بـ«الاثنين الأسود» لقطاع الذكاء الاصطناعي، حيث فقدت الأسواق المالية أكثر من 1 تريليون دولار، منها 600 مليار دولار خسرتها شركة إنفيديا وحدها، وهي أكبر خسارة يومية تُسجلها شركة أمريكية.
ولإدراك حجم هذه الخسارة، يكفي القول إنها تعادل القيمة السوقية لشركتي نتفليكس وأوراكل مجتمعتين. نتيجة لذلك، أصبحت شركات التكنولوجيا مطالبة بمراجعة خططها للنمو وتوضيح استراتيجياتها المستقبلية، لا سيما من حيث التوسع والتكاليف، التي ستكون محط أنظار المستثمرين.
لا شك أن المنافسة ستظل قوية، مما سيحفز الشركات على تحسين بيئات العمل وتقليل التكاليف، وهو ما سيعود بالفائدة على المستهلك في نهاية المطاف.
0 تعليق