اللحن الأول (من أيام فلسطين) - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

صدر هذا الكتاب غير القابل للتصنيف أو التجنيس الأدبي عام 1991 عن دار الكرمل للنشر والتوزيع، وطبع عدة طبعات فيما بعد، جاء الكتاب في 150 صفحة من القطع المتوسط، الكاتبة هي ياسمين زهران، مواليد رام الله عام 1921 توفاها الله عام 2017.

يؤكد كثير من نقاد فلسطين بأن الحركة النقدية ظلمت تجربة ياسمين في الكتابة؛ فلم تنتبه لها أو تأخذ وقتا كافيا في دراستها، والسبب غير معروف، هل كونها مقيمة خارج البلاد أغلب وقتها، وبالتالي لم تحتك بالنقاد ولم تعرفهم أو تفكر فيهم أصلا، أم هو عالمها الحنيني المتكئ على الذاكرة والممتد داخل لغة وصفية تتوسل إعادة إحياء المكان المهدور بسبب الاحتلال والحداثة الجوفاء؟

تزخر الرواية بكلمات ومصطلحات من الزمن القديم، زمن حياة الكاتبة، طفلة في شوارع رام الله القديمة (شرفات ذات أقواس، رائحة الزيت المعصور حديثا مع دخان الحطب الأخضر، رائحة الشومر والمريمية مخلوطة، تختلط برائحة أشجار الصنوبر، الدار التحتة، برازق سخنة من باب الفرنة). وكثير من الكلمات غير المستخدمة هذه الأيام، اللحن الأول هو الحب الأول في قلب الكاتبة، أو هي رام الله أول الحب، أول الشهيق، أو ربما ربطت الكاتبة ومزجت بين رام الله الحبيبة الأصيلة وبين تجربة حبها الأول في رام الله، ويبقى هذا الالتباس أحد أهم مصادر الإبهار الجمالي في الكتاب، تقول: (ودارت الأيام، وبعدت عن الشرفة ذات الأقواس، بعدت عن بيتنا القديم عن عالمنا، وفي دورة الدهر انتقلت القرية من حياتها البدائية من سنة 1948 إلى سنة النكسة 1967 من تقسيم واحتلال وتشرّد، من بؤس يعلوه بؤس ومن جرح يعلوه جرح).

اللحن الأول- من أيام فلسطين كتاب محير، من حيث بنيته وهي تلك الحيرة التي لا تجعلك ممتعضا لذلك، بل سعيدا ومتلذذا بهذا السرد الجذاب على لسان امرأة من رام الله (هل هي الكاتبة نفسها). لن يهمنا جنس العمل، أهو رواية أم مذكرات أم يوميات أم فضفضات أم قصص قصيرة مترابطة، المهم عندنا تلك الروح السردية المتسقة والحيوية الممتعة التي تترافق مع كل حدث أو مكان وذلك الوهج العلوي والتوتر الجمالي حين تتكلم الراوية عن مفردات وأمكنة ومفاهيم الزمن القديم الدافئ. أرى هنا من الضروري الحديث عن نشأة مدينة رام الله، من حيث كونها الإطار المكاني والفضاء الواسع لهذا العمل الحميمي المشتعل بالمشاعر والحنين.

فعبر تاريخ يمتد إلى القرن السادس عشر، تمتلك رام الله جذورًا عميقة في المنطقة، فالسجلات التاريخية تحتفظ بقصة راشد الحدادين الذي وصل إلى رام الله مع عائلته بعد عداوة أجبرته على مغادرة الأردن. وبعد أن علم راشد حدادين بوفاة خصمه، عاد إلى الأردن، تاركًا وراءه أبناءه الخمسة -يوسف وعواد وعيسى وخالد وعزيزة- الذين تناسلوا وأصبحوا يشكلون عائلات وعشائر رام الله..

ومع نمو السكان، اجتذبت المدينة البعثات التبشيرية، وفي عام 1807 تم بناء أول كنيسة أرثوذكسية يونانية، وفي عام 1869 تم تأسيس مدرسة الفريندز للبنات من قبل جمعية الأصدقاء الدينية (الكويكرز).

وفي عام 1902، تحولت رام الله إلى متصرفية تضم ثلاثين بلدة محيطة بها من قبل الحكومة العثمانية، وتم تعيين أحمد مراد، أحد أبرز الموظفين في القدس، كأول محافظ (متصرف) للمدينة. وفي عام 1908 تم الاعتراف برام الله كمدينة، وتم تعيين إلياس عودة أول رئيس بلدية عمدة لها، في حين ضم المجلس البلدي ممثلًا واحدًا عن كل عشيرة.

وتقدم بلدية رام الله، التي تأسست عام 1908، الخدمات لسكان المدينة منذ أكثر من قرن من الزمان. وفي الوقت الحاضر، تجاوزت المدينة حروبًا متعددة، وشهدت تقدمًا اقتصاديًّا سريعًا، وأصبحت العاصمة الثقافية لدولة فلسطين. وقد ساهمت المشاريع والمبادرات البلدية التي لا حصر لها في تحويل المدينة القديمة إلى مركز حضري كما تبدو في الوقت الحالي.

هذه سيرة رام الله المدينة الساحرة التي طالما جذبت العرب من كل مكان قبل نكسة 67. وجيل الخمسينيات في الخليج العربي تحديدا يعرفونها جيدا، فمنهم من قضى شهر عسله فيها ومنهم من نام في فندقها الأشهر فندق عودة.

في الرواية تطلق الكاتبة عبارة تشبه المدخل أو الثيمة لكل رواياتها: (أما الحقيقة الثابتة والوحيدة فهي الأرض، أرض فلسطين بما فيها الوادي المتشعب بين الجبال والذي يمتد إلى البحر).

*************

الكاتبة في سطور

ياسمين زهران خريجة جامعة كولومبيا في نيويورك وجامعة لندن والسوربون في فرنسا حيث حصلت على دكتوراة في علم الآثار، عملت زمنا في حقل التعليم، في منظمة اليونسكو، وعلى فترات متقطعة في حقلي الصحافة والإذاعة. أقامت في باريس وقضت وقتا طويلا في السفر لزيارة الآثار في مختلف أنحاء العالم.

توفاها الله عام 2017 بعيدة عن المكان العظيم الذي أخلصت له وحنّت إلى بداياته الأصيلة.

في رصيدها عديد من الروايات المهمة، ويبقى المدخل فيها هو نفسه: الحنين المستعر إلى الأصل برائحته الأولى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق