عندما أسترجع شريط ذكرياتي، أعود إلى ذلك اليوم الأول الذي خطوت فيه داخل قاعات صحيفة «الخليج»، بكل حماسة وشغف. لم أكن أعلم آنذاك أنني أمام رحلة استثنائية، ستستمر أربعة عشر عاماً، رحلة شكّلتني مهنياً وإنسانياً، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من هويتي.
صحيفة «الخليج» علّمتني أن الكلمة مسؤولية، وأن الصحافة ليست مجرد مهنة بل رسالة سامية، فكل مقال كتبته، وكل تحقيق أعددته، كان مرآة لإدراك عميق أن الكلمة قد تكون سيفاً يفصل الحق عن الباطل، أو جسراً يوصل بين الحقائق، فقد غرست في أعماقي قيماً نبيلة، ستظل نبراساً يوجهني، ورسالة تتطلب دوماً الشجاعة والنزاهة.
في الواقع، لم تكن «دار الخليج» مجرد مؤسسة إعلامية، بل مدرسة متكاملة في أصول الصحافة وقيمها النبيلة، إذ تعلمت بين أروقتها دروساً ثرية، بدءاً من دقة الأخبار إلى إتقان فنون التحقيق والتحليل، وفي قاعات التحرير التي نبضت بالحيوية والنقاشات المثمرة، وبين زملاء لطالما قدموا الدعم والمشورة بسخاء، كانت تتبلور تجربتي المهنية وتُصقل هويتي الصحفية.
على مدى هذه السنوات، كنت شاهداً على تغييرات كبيرة، ليس فقط في المشهد الإعلامي، ولكن أيضاً على المستوى الشخصي، إذ كانت المؤسسة شاهدة على خطواتي الأولى ككاتب، ومشاركتي في تغطية أحداث كبرى تركت أثراً إيجابياً في رحلتي المهنية، من تحقيقات ميدانية، إلى مقالات أثرت في القراء، كل لحظة كانت تساهم في تشكيل مسيرتي المهنية.
اليوم، وأنا أكتب هذه السطور، أجد نفسي أمام لحظة وداع لا تخلو من التأثر. وداعٌ لصرحٍ عظيم كان لي أكثر من مجرد مكان عمل، ولكنني أرحل وأنا أحمل معي إرثاً غنياً من التجارب والدروس التي ستبقى رفيقة دربي في كل خطوة أخطوها نحو المستقبل.
أتوجه بخالص الشكر والتقدير لكل إنسان في «دار الخليج»، من الإدارة إلى الزملاء في التحرير، كنتم شركاء في كل خطوة خطوتها، وكل تحدٍ واجهته، شكراً لكم على الثقة التي أوليتموني إياها، وعلى اللحظات التي جعلتني أشعر بأنني جزء من شيء أكبر، وإلى كل قارئ كان جزءاً من هذه الرحلة، أشكركم على ثقتكم ودعمكم المستمر.
شكراً «دار الخليج»، المنارة التي أضاءت طريقي، والرحلة التي شكّلت ملامحي وهذه «كلمة حق»، ووداعك اليوم لا يعني الانفصال عنك، بل وعد بأن أكون سفيراً للقيم والمهنية التي غرستِها في داخلي، سأحمل روح «الخليج» معي أينما حللت، وسأظل ممتناً لكل لحظة قضيتها بين أروقتها.
0 تعليق