مشهد الاحتفال بسقوط النظام السابق في ساحة الأمويين بدمشق، لم يحجب حقيقة القلق الناجم عن وصول الفصائل المتشددة إلى السلطة، والمخاوف على مستقبل سوريا، رغم التطمينات التي حاولت بثها تلك الفصائل للداخل والخارج، على حد سواء.
وبات من الواضح، بعد نحو أسبوعين على سقوط النظام السابق، أن المحتفلين في تلك الساحة، لم يجمعهم سوى عامل واحد هو سقوط النظام، وأن ما يفرقهم أكثر مما يجمعهم وهو النظرة إلى مستقبل البلاد، أو بناء سوريا الجديدة. لكن ما شهدناه، هو احتشاد مماثل، لم يتأخر كثيراً، يطالب بمدنية الدولة ومشاركة المرأة تحت شعار سوريا «حرة ومدنية».
منشأ هذا التناقض يعود لسببين، الأول أن الفصائل المتشددة لا تملك برنامجاً سياسياً مدنياً وجامعاً يستوعب جميع مكونات المجتمع وتعدديته السياسية والطائفية والمذهبية، لأنها في الأصل لا تملك سوى برنامجها الخاص، الذي يحمل في طياته تناقضات جمة بين الفصائل المتحالفة نفسها. والثاني أن ما يجري على أرض الواقع يتناقض مع الشعارات العامة المرفوعة حول مشاركة الجميع، بينما يجري على الأرض تشكيل حكومة مؤقتة من لون واحد، رئيسها وأعضاؤها المعلن عنهم، وفي مقدمتهم وزيرا الخارجية والدفاع، علاوة على بعض المناصب الإدارية الأخرى، هم من «هيئة تحرير الشام». كما أن الحديث عن دمج مقاتلي الفصائل المسلحة في الجيش تحت مظلة وزارة الدفاع يصب في الاتجاه نفسه، إذ إنه قد يرضي الفصائل المسلحة، لكنه يبقيها تحت هيمنة الفصيل الأقوى، وهو «هيئة تحرير الشام» نفسها.
وهناك الكثير من المخاوف بشأن «الحوار الوطني» الذي يجري التحضير له، والذي يفترض أن تشارك فيه كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وممثلو الفئات الشعبية كافة، لوضع خارطة طريق لسوريا المستقبل، بأن يصطدم بالواقع الجديد الذي يتم تثبيته على الأرض. أما خارجياً فإن «الهرولة» الغربية للحوار مع السلطة الجديدة في دمشق، ورغم سعيها إلى تثبيت مواقع نفوذ على الخارطة السورية، فإنها لم تكن مجانية بقدر ما كانت مشروطة بتحقيق انتقال سلمي للسلطة ضمن عملية سياسية جامعة لا تقصي ولا تستثني أحداً. فلا الأوروبيون ولا الأمريكيون جاءوا لتقديم «شيكات على بياض»، وكلهم ينتظر «الأفعال لا الأقوال» كما يقولون.. وكلهم لم يرفعوا حتى الآن «هيئة تحرير الشام» من قوائم الإرهاب مع وعود بدراسة رفعها لاحقاً.
وإذا كان الأمريكيون قد أبلغوا زعيم «الهيئة» أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني بإلغاء المكافأة المالية التي رصدت لاعتقاله، فإنهم لم يترددوا في القول إن عملية رفع «هيئة تحرير الشام» من قائمة الإرهاب الأمريكية قد تطول وعلى الأرجح أن يترك القرار بشأنها لإدارة دونالد ترامب المقبلة، وفق «الواشنطن بوست».
هذا يشي بأن المخاوف لا تزال قائمة، داخلياً وخارجياً، وأن تبديد هذا القلق يظل مرهوناً بسلوك سلطات دمشق الجديدة فعلياً وليس من خلال التطمينات ومظاهر الشعارات العامة.
0 تعليق