التغيير مرة أخرى - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحدثنا عن التغيير في مقال سابق، أشكاله وإشكالياته، وحدوده وتحدياته، والكلام لا يتوقّف عن التغيير بصفته مطلباً للفرد والمجموع، منه ما يحدث عن سابق تخطيط ودراسة واستعداد، ومنه ما يتم بحماسة وانفعال غير مدروسين، ومنه ما يحدث تلقائياً بما يتناسب وينسجم مع النفس البشرية وحاجاتها، ومع المجتمع بما يتّفق ومتطلباته. ولكل حالة أو شكل إيجابياتها وسلبياتها، مع الإدراك أن التغيير لا يمكن له أن يتم بالقوة أو الإجبار، كما أنه لا يمكن أن يتم من الخارج، وحتى لو حدث التغيير من الداخل فلذلك شروط ومتطلبات وقناعات.
ويعتقد كثيرون أن التغيير الذي تم في أكثر من مكان في العالم العربي حصل من الداخل، وفي هذا يتدارس الدارسون، ويختلفون ويتفقون، ويقودنا هذا التأمل إلى تساؤل كبير ومشروع: هل حدث تغيير في تلك الأماكن في العالم العربي؟ والتساؤل الثاني: هل حدث من الداخل؟
سؤالان يحملان ألغاماً، ولو طُرحا في برنامج تلفزيوني كتلك البرامج التي نراها وتجمع الرأي والرأي الآخر والآراء المتناقضة، لانتهى باشتباكات بالأيادي، وطارت الكراسي وظهرت الألفاظ النابية، والاتهامات بالخيانات والولاءات والمكر والخبث، وما إلى هنالك من مفردات استُخدمت كثيراً في حلقات وبرامج عديدة.
كان يُقصد من التغيير الانتقال من ظرف سيئ أو عادي إلى ظرف جميل وغير عادي، وهنا لا نقول أن الظرف في جميع تلك الأماكن كان سيئاً، وكان الهدف من التغيير هو التطوير والتحسين، في حياة الأفراد والمجتمعات، وبنظرة سريعة نقول إن التغيير حدث بالقوة، بالسلاح والدمار والقتل والحرائق والسحل والخطف، وقادت هذا التغيير أكثر من جهة معظمها تتبنى فكراً واحداً وتوجهات متشابهة، وكان التغيير انفعالياً وعشوائياً إلى درجة أن الأطراف لم تكن تحمل تصوراً واضحاً للمرحلة اللاحقة، فتخبّطت ولا تزال إلى يومنا هذا، باستثناء تجارب قليلة جداً.
والواقع يقول إنه حدث تغيير ولم يحدث تطوير، بمعنى أن الأوضاع المعيشية ازدادت سوءاً، وافتقد الناس إلى الأمن والأمان، ولا يزال الأطراف يتحاربون، إن لم يكن بالبندقية فبالكلام والصراخ والصراعات. وقبل شرح الواقع ومآلاته، سننتقل للتساؤل الآخر: هل حدث التغيير من الداخل؟ والإجابة هنا أيضاً مسكونة بالنار، إذ يعتقد كثيرون أنه تم من الداخل وأسموا ذلك ثورة، بينما الحقيقة تقول إن التغيير جاء من الخارج في كثير من الأماكن، جاء المقاتلون والسلاح وأجهزة الاتصال والمال وحتى التوجهات، ولهذا ذُهل الناس من أشكال المقاتلين ولغاتهم وسلوكياتهم، وقالوا، أي الناس، هؤلاء ليسوا منّا، فهاجروا داخل بلدانهم، وكثيرون منهم هاجروا إلى دول أوروبية وعربية، وبدأت المعاناة، وعلى الرغم من استقرار نسبي حدث في بعض الأماكن إلا أن عمليات إعادة الإعمار لم تبدأ بعد.
أشعر بأنني أسير في حقل ألغام، لأن كل كلمة ستقال ستحمل شظاياها في داخلها، ولكن لا بأس، لنقل الأمور كما هي: إن معظم التنظيمات التي أربكت المجتمعات ترفع لواء الإسلام، وأرادت التغيير في بلاد تدين بالإسلام، مع وجود أقليات من أديان أخرى، لكن هذه التنظيمات حضرت بتصوّر وقناعات أن الأماكن المقصودة بالتغيير لا تدين بالإسلام، فتصرفت وكأنها جحافل مؤمنين يفتحون بلاد الكفّار، فنهجت طريق العنف، وقدّمت صورة أحادية الفكرة للإسلام لا تتفق مع ما كان الناس يدينون به، وكثيرون شعروا بأنهم أمام دين جديد لا يعرفونه، بل ومنهم من نفر منه نفوراً كبيراً، حتى أن دولاً كثيرة، عربية وأجنبية صنّفت هؤلاء بالإرهابيين، وبدأت الحرب على الإرهاب، وفي الواقع، انتهزت أطراف كثيرة، الظرف وبدأت حرباً على الإسلام، بعد أن رسمت صورة قاتمة وبشعة للإسلام والمسلمين، وساعد في ذلك الأفلام الهوليودية التي صورها هؤلاء بذريعة العين بالعين والسن بالسن. وما زلنا حتى اليوم أمام مشهد معقّد، لم يقدّم فيه أحد تعريفاً للإرهاب، ولا تعريفاً للإسلام، مع كثرة الاجتهادات والتأويلات.
إن رفع شعار الإسلام لا يعني أن التغيير حدث من الداخل، لأن الفئة المستهدفة رفضته، ما يعني أن التغيير حمل لبوسات سياسية واقتصادية وفكرية لا أحد أفصح عنها حتى الآن. وقد انتعش مصطلح التغيير مؤخراً، وقابله البعض بالحماس ومنهم المثقفون، وقابله البعض بالرفض، وآخرون قابلوه بالفتور والتأمل واالفرجة، وبعض المتحمسين له أدهشوا زملاءهم، خاصة أنهم ليبراليون ومتنوّرون، وكانوا يرفضون الأنظمة القائمة على الدين، أي الدين السياسي، لكنهم يبتهجون الآن، كأن سحراً أصابهم، ولا أستطيع تفسير ذلك إلا بوجود عقلية الثأر: فلان أخذ بثأري، حتى لو كان فلان عدوي..
قراءة المشهد الذي بدأ قبل قرابة عقد ونصف العقد صعبٌ جداً، فحتى الآن نفتقر إلى معلومات عن اللاعبين الحقيقيين، والأهداف الحقيقية من التغيير، باستثناء هدف واحد نراه بأم أعيننا، وهو التدمير الممنهج للمناطق التي تعرّضت للتغيير، ولم يحدث حتى اللحظة أي تطوير واضح يُبنى عليه. وسيبقى المشهد على حاله إلى أن يتم التغيير من الداخل وبإجماع واتفاق وطنيين، تغيير يحكمه المنطق والحوار واحترام الآخرين.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق