من حين إلى آخر أعود إلى أرشيفي الصحفي، وأغلبه مكتوب بخط اليد، وكنت أرسل مادة أسبوعية من العاصمة عمّان إلى جريدة الخليج في الشارقة حين عملت مدة عامين في جريدة الدستور الأردنية (1995-1997)، لأعثر على مادة عزيزة على قلبي بعنوان (الشارقة في الشعر)، وقد وضعت آنذاك عنواناً فرعياً لهذه المادة يقول (الشمس فيها شقيقة البحر)، والمعنى المباشر أن الشارقة شقيقة البحر، ومن هذه الزاوية رحت أبحث عن الشارقة في الشعر الذي قرأته، وكان ذلك، قبل أكثر من ثلاثة عقود، فكم كتب من الشعر العربي، وغير العربي في الشارقة بعد ذلك من الزمن والحياة والتأمل في تحوّلات ومبادرات إمارة أصبحت بكل استحقاق إمارة الشعر والمسرح والكتاب والنشر والفنون.
في تلك المادة توقفت عند ثلاثة نماذج: الأول لشاعر إماراتي، والثاني لشاعر عربي، والثالث لشاعر آسيوي.. يومها كتبت عن هؤلاء أنهم يكتبون هوى المدينة، كلٌّ على طريقته، لكن جوهر المكان الذي استولد هذا الشعر هو واحد.
كان النمودج الشعري الأول يعود للشاعر الإماراتي عارف الخاجة في قصيدة له بعنوان رباعية الشارقة على مجزوء الكامل:
شُعَلٌ لشارقة على عطشي / ظمآنُ يامَنْ حولها القَصْدُ
الحِجْل يعزفُ كل أوردتي / والوَصْل في سكناتها صَيْدُ
لي حولها نِحَلٌ وأشرعة / ولها علينا في الهَوى قيدُ
إني لأمسح باسمها رئتي / وأفنّد العشاق إن عُدّوا
النموذج الثاني كان قصيدة للشاعر اللبناني جوزيف حرب، ومن القصيدة:
«.. والشارقة المغسولةُ بالزبد الفضيّ، وغيم
الرمل امرأة نائمة بين ملاكين،
أفاقت يمسح عينيها آذانُ الفجر
نهضت..
لبست ثوب نخيل، حملت فوق يديها
الشمس وراحت تمشي حتى العصر..»
النموذج الثالث كان للشاعر الهندي كومار سينغ كوجرال، الذي عاش في الشارقة، وكتب قصيدة بعنوان بحيرة خالد قبل أكثر من ثلاثة عقود، جاء فيها هذا المقطع المباشر في تصويره وغنائيته الشفافة.. يقول:
«جميل أن يصنع الإنسان بحيرة /.. إنه
يلعب بالبحر على هواه.. يمسكه
على طريقته ويقول له: نمْ مشعاً
هنا أيها البحر.. أيها البحر الذي
صار لسان بحيرة صغيرة.. كم أنت
جميل ومباشر».
شعريات عربية وعالمية تكمن جمالياتها في كونها شعريات المكان الإماراتي، وروحه وخصوصيته، والجميل هنا أنها كُتبت بعفوية الشعر لا صناعته.
0 تعليق