سالم عمر سالم*
يُعد الثامن عشر من ديسمبر يوماً ليس ككل الأيام، ففيه احتفل العالم أجمع باليوم العالمي للغة العربية، هذا اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة ليكون مناسبة عالمية تُعيد لهذه اللغة العريقة مكانتها وتُذكر الجميع بدورها الحضاري، باعتبارها لغة جمعت بين جمال البيان ودقة المعنى ورحابة الفكر.
إن اللغة العربية ليست مجرد حروف تُكتب أو كلمات تُلفظ، بل هي تراث خالد وثقافة عميقة تمتد جذورها إلى آلاف السنين، فهي لغة القرآن الكريم الذي أُنزل بلسان عربي مُبين، ولسان الحضارة الإسلامية التي شكّلت مرحلة ذهبية من الإبداع العلمي والمعرفي، كيف لا نفتخر بها وهي لغة تُناجي الروح وتعبر عن أدق المشاعر بأساليب بلاغية تأسر القلوب وتخطف الألباب؟ كيف لا نعتز بها وهي من أعظم اللغات قدرةً على الصمود والتطور، بل والتكيف مع كل متطلبات العصر الحديث؟
عندما نتحدث عن اللغة العربية فإننا نتحدث عن ماضٍ مجيد وحاضر ومستقبل واعد. لقد حافظت لغتنا الخالدة على هويتها رغم تعاقب الأزمان وتعدد الثقافات، فهي لغة الشعر والخطابة، لغة العلم والمعرفة، ولغة الفن والجمال، كانت وستبقى ملاذ الأدب وحصن الفكر المتين الذي يحفظ للعالم العربي قيمته ومكانته بين الأمم.
هنا يأتي دور منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، التي أخذت على عاتقها مسؤولية تعزيز حضور اللغة العربية على المستويات العالمية، وفي مقدمتها مكتبنا الإقليمي في الشارقة، هذا المكتب الذي يستلهم من رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، دعمه اللامحدود للغة العربية وكل ما يخدم الثقافة والفكر العربي.
وإذ تحتفل الإيسيسكو بيوم اللغة العربية، فإنها تسلط الضوء على أهمية توظيف التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي لتعزيز تعليم العربية ونشرها عالمياً، فقد بات من الواجب علينا تطوير أدوات تتماشى مع عصر الرقمنة حتى تصل لغتنا إلى كل طالب علم على وجه البسيطة، ولتبقى نافذة للانفتاح الثقافي وميداناً للحوار الحضاري.
وفي هذا المقام، لابد أن نحيي جميع الجهود التي تُبذل في سبيل خدمة اللغة العربية، سواءً من خلال المؤسسات التعليمية، أو المراكز البحثية، أو البرامج الإعلامية، ولعل أكبر رسالة يجب أن نؤديها لأجيالنا هي غرس حب العربية والاعتزاز بها في قلوبهم، فهي ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي هويتنا ووعاء فكرنا وجسرنا إلى المستقبل.
إن احتفالنا بهذا اليوم العالمي ليس مجرد وقفة للتأمل، بل هو دعوة للعمل والبناء.، لنؤكد للعالم أجمع أن لغتنا، التي حافظت على نقائها طوال العصور، هي لغة علم ومعرفة قادرة على مواكبة كل تطور.
أقولها بكل فخر واعتزاز: «اللغة العربية تاجٌ فوق رؤوسنا، وكنزٌ بين أيدينا، هي الرمز الذي يوحّدنا والقوة التي تجمعنا، لنصن أمانتها ونحمل رسالتها إلى كل بقاع الأرض» وكل عام ولغتنا الجميلة في ألقٍ وازدهار.
0 تعليق