تُقاس أعمار الخيول من أسنانها، والأشجار المعمّرة تُعرف أعمارها من جذوعها، وَيُعرف عمر الكاتب من الحبر الذي ذرفه على الورق، وهذه المقالة الأولى في اليوم الأول من عام 2025 للكاتب هذه السطور بعد حوالي 8000 مقالة على مدى عمر من الكتابة التي تحوّلت إلى بحر، والأسماك تموت إذا غادرت وطنها الماء..
2025 تفاؤل بالكتابة التي تحرر الكائن البشري من الضعف والخوف والتشاؤم. ولأن الكتابة بضمير المتكلم في مقالة صحفية يومية هي من حق القارئ أولاً، فإن الكاتب في هذه الحال يطلب إذناً من قارئه بأن يعرّف بهذه الآلاف من المقالات وهو في الستينات من العمر بين ما هو أسبوعي ويومي أو غير منتظم من وقت إلى آخر، والتعريف يبدأ من العشرينات. أوّلها تحديداً في الثانوية العامة. وكان آنذاك ذلك الشاب الذي اكتشفه نايف قطناني في الثاني الثانوي، وفي الثالث ثانوي يكتب مقالة أسبوعية من وقت إلى آخر في جريدة الأخبار الأردنية، وكان مقرّها في وادي صقرة في العاصمة الأردنية عمّان.
نحو 8 آلاف مقالة منشورة يتذكرها الستيني الآن وقد كتبها بخط اليد. كل مقالة قبل النشر في حوالي 3 صفحات على الأقل، وبذلك يصبح الناتج الورقي المكتوب بالقلم قبل النشر في حوالي 24000 ورقة.
2025، .. يا لها من استعادة من اليوم الأول منه. هكذا إذن، كلها حياة من ورق. من جريدة اليوم في الدمام في عام 1982 على يد الجميل صالح العزاز، إلى الدستور في 1995 على يد د. النبيل د. نبيل الشريف، إلى 2008 على يد الخليج. جريدة الرّوم والقلب والعقل.
يتلفّت الكائن الورقي الحبري وراءه فيجد بلاداً من الورق يسمّيها بمحبة قصوى: الكتابة.. ويجد أن عمره ليس ستين عاماً بل، 24000 ورقة.. إلى أن أصبح نفسه هو ورقة، وما أجمل أن يكون المرء ورقة لا جداراً، وأن يكون ماء لا حجراً، وأن يكتب ويكتب، وفي كل مرة يشعر بالجوع إلى الكتابة.
ثُلُثا عمر هذه الكتابة كانت هنا في الإمارات. الروح كانت الإمارات وما زالت وستبقى، الأرض والسماء. القلم والورق والحبر.
حوالي 8 آلاف مقالة قبل السبعين، وهذا ال 2025 يقول أكمل الطريق وهذي طريقي (يا أبي) وسوف أمشيها إلى الأخير. ولا عندي خيل لكي أحسب عمرها من أسنانها، بل عندي سرّ الصهيل ومعناه الذي يشبه سر الورق والحبر. ورصيدي لا ينضب ولا أخاف عليه. فقط قارئ أو قارئه أحدهما، بل كلاهما يبدآن الرسالة الموجهة إلى الكاتب.. بكلمة: «السيد المحترم».
شكراً لك يا رب على هذه النعمة. 8000 مقالة قبل السبعين. وهذه السيدة المحترمة (2025) تهمس في إذن الرجل قائلةً: اقرأ، واكتب، خذ الكتاب بقوة. وخذ القلم بقوّتين، وهذي طريقك.. أمشها إلى آخرها..
[email protected]
0 تعليق