أليس الحديث عن غياب العلوم والعلماء، ذا شجون؟ بلى، فمن أفانينه التعريج على غياب الاختراع والمخترعين. إذا صدق الظنّ، فإنه لا توجد، في كل العالم العربي، ولا حتى فضائية واحدة، تتابع باستمرار منتظم، ما تجود به قرائح المخترعين العرب، من الشبيبة بصفة أخصّ. المصيبة أعظم إذا كانت وسائط الإعلام مقتنعةً بألا حياة لمن تنادي من أهل الاختراع، في الديار العربيّة. يا للهول إذا عقمت العبقريات والمواهب أو كانت في عداد الغيلان والعنقاوات.
لا يُعقل أن يكون عدد العرب يناطح المئة الرابعة من الملايين، من دون أن تظهر فيهم بشائر الاكتشافات والاختراعات. قالوا «لا تقنع بما دون النجوم»، فأضحى التنجيم مركز الجاذبيّة. ليس برهاناً قاطعاً التحجّج أو التذرّع بأن ثلاثة أرباع ذلك الرقم، تنمياتهم متعثرة. ثم إن انعدام وجود المرايا الإعلامية العاكسة لا يدلّ بالضرورة على قحط وقحل في تربة الاختراع.
الغريب أنه قبل عقد تقريباً، أشار هذا العمود إلى أن خمسين وثلاثمئة شاب مخترع سوريّ، ناجوا ربّهم بالشكوى، وهم يعلمون أنه يعلم السرّ وأخفى. لم يكونوا يجدون أذناً صاغيةً، أو يداً راعيةً. لنا أن نتصوّر أن الحدّ الأدنى لعدد المخترعين الجدد في العالم العربي، لن يكون أقل من ألفين. هؤلاء مشروع عملاق قائم بذاته. هؤلاء جديرون بأن تقام لهم مدينة تسمّى «مدينة الاختراعات». من المستبعد أن يتجاوز تصنيف اختراعاتهم العشرة مجالات، ما سيجعل عدد المعامل أو المخابر أو حتى المصانع محدودة التنوّع والتكاليف.
لو قلنا للصين، وهي الأولى عالميّاً بعدد ملايين المهندسين: سنهدي إليك ألفي مخترع، لطارت فرحاً. بينما العرب الذين لا ينتجون ولا حتى واحداً من أهم خمسة آلاف منتج في العالم، نرى العود في أرضنا نوعاً من الحطب، وهي لا تنبته أصلاً. الصقر أيضاً نشويه.
احتضان هؤلاء قدْح زناد، ومضة وفكرة مشعّة، اقتصاديّاً وتنمويّاً، تستحق التفكير التخطيطي الاستشرافي. ولعل ما يعزّز المشروع، إعداد دورات دعم فنّي وتقاني للارتقاء بتأهيل المخترعين في مجالاتهم. هؤلاء طاقات وكفاءات هي من أهم الثروات البشرية في العالم العربي، ولا يليق بالأمّة أن تدعهم يردّدون: «أضاعوني وأي فتىً أضاعوا». إذا تعثرت تنمية بلدانهم، بمخططات خارجية، أو بسوء إدارة داخلية، فليكن من العرب من ينتشلهم من الضياع، ويمتحن كريم معدنهم.
لزوم ما يلزم: النتيجة السحريّة: إذا انطلق من ألفي مصباح ماردان أو ثلاثة فقط، فقد يغيّرون وجه الاقتصاد.
[email protected]
0 تعليق