أسئلة مشروعة حول مستقبل سوريا - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ما حصل في سوريا كان حدثاً مهمّاً بكل المقاييس، ولسقوط النظام تداعيات لا يمكن حصرها بعُجالة مرافقة لنشوة نصر عند البعض، ولصدمة هزيمة عند البعض الآخر، ذلك أن موقع سوريا الجيوسياسي، والدور الذي كانت تمثله، له أهمية قصوى، بينما التغييرات الكبيرة التي أحدثتها القيادة السورية الجديدة على هذا الدور ستكون هائلة، وستتأثر فيها مصالح دول متعددة، وهي بمثابة انقلاب على المقاربات السابقة برُمّتها.
من الواضح أن غالبية ساحقة من الشعب السوري تعاطت بإيجابية مع ما حدث، وهلَّلت للتغيير، خصوصاً لكون العملية جرت من دون سقوط دماء كثيرة، وضحايا العمليات العسكرية التي حصلت قبل يوم 8 ديسمبر(كانون الأول) 2024 وبعده، اقتصرت على عدد محدود، قد يكون بينهم أبرياء، كما أن عمليات الانتقام المحدودة أيضاً، لم تلقَ أي احتضان من المسؤولين الجُدد الذين تعاطوا بشيء من التسامُح، وأطلقوا نداءات هَدفت لانتظار الاقتصاص من كبار المُرتكبين بواسطة المحاكم والقانون.
كل ذلك لا يعني بأية حال أن الأمور انتهت، وعملية انتقال السلطة اكتملت. فعلى العكس من ذلك، فهناك تحديات كبيرة ما زالت قائمة، والضباب السياسي والأمني ما زال يطفو فوق سطح الحدث بين الحين والآخر، وأسئلة كثيرة تُطرح أمام القيادة الجديدة في دمشق، وهذه الأسئلة تحتاج لتوضيحات، ولإجاباتٍ صريحة. ولا يعني ذلك تجاهل للخطوات الإيجابية الكثيرة التي حصلت، وقد يكون أهمها احتكام المنتصرين للمؤسسات الحكومية الشرعية في معالجة المشكلات المطروحة، وتجنُّب التصرفات الفئوية أو الميليشياوية في مقاربة الملفات الداخلية والخارجية. والحكومة الانتقالية التي تدير البلاد اليوم، نجحت في ضبط الفوضى في أكثر من مرفق عام، برغم الكلام الكثير الذي رافق توليها للمهام، كونها لم تنبثق عن انتخابات، ولا عن جهات لها مشروعيتها القانونية، وهي تتألف من لونٍ واحد من مكونات الشعب السوري، وليس فيها تمثيل مناطقي أو طائفي أو سياسي كافٍ.
من أبرز الأسئلة المطروحة أمام القيادة الجديدة، أو أمام مؤتمر الحوار الوطني المؤجَّل، بعد أن كان مقرراً عقده في 5 كانون الثاني/يناير 2025:
كيف سيكون شكل الدولة السورية الموعودة؟ وهل سيكون التوجُّه نحو اعتماد النظام المدني، يُنشِد المساواة بين السوريين في وضعياتهم الخاصة أو السياسية، ويحترم التقاليد المحلية، ويحفظ حرية معتقد كل المكونات المتواجدة على الأراضي السورية منذ القِدم؟ وماذا عن الطروحات التي تتناول موضوع اللامركزية الإدارية الموسعة، أو الفيدرالية؟
وهل ستتحوَّل سوريا من اصطفاف في محور إلى تموضُع في محور آخر؟ وماذا عن دورها العربي المُنتظر، على اعتبار أن لسوريا مكانة مُتميِّزة في الحضيرة العربية الواسعة، وهي إحدى أهم الدول الفاعلة في جامعة الدول العربية؟
وكيف ستتعامل القيادة الجديدة مع الاتفاقيات الدولية الموقعة مع دول خارجية؟ لا سيما مع روسيا التي تحتل دور الصدارة بين أصدقاء سوريا منذ زمنٍ طويل، ولدى روسيا معاهدات موقَّعة مع سوريا حول استضافة قواعد عسكرية في طرطوس وفي حميميم على الساحل السوري، وهي ما زالت سارية المفعول، والبعض منها صالحة حتى العام 2060.
والتحدي المهم أيضاً، هو في الخطوات التي قد تلجأ اليها القيادة الجديدة لمعالجة ملف العقوبات الدولية على سوريا، لاسيما العقوبات التي صدرت بقوانين في الولايات المتحدة (كقانون قيصر للعام 2020 وقانون ماغنيتسكي للعام 2012 الذي شمل سوريا ايضاً) كذلك عقوبات الاتحاد الأوروبي، والقيود التي وضعتها الأمم المتحدة على التعامل مع النظام السابق. والمهم في هذا السياق، كيف سيتصرَّف قائد الإدارة الانتقالية أحمد الشرع؟ وهو مشمول بعقوبات شخصية سابقة أيضاً.
ما ظهر حتى الآن يُبشِّر بإيجابيات، فالمواقف التي أطلقتها الإدارة الجديدة المؤقتة، تُشير إلى رغبة واضحة في تخليص سوريا بالكامل من قيودها السابقة، وهي لن تكون جزءاً من محور جديد – كما أكد أحمد الشرع شخصياً – بل ستتعامل بإيجابية مع جيران سوريا، من دون أن تكون مصدر خطر على أيٍ منهم، وستحترم الاتفاقيات العربية، وهي تريد من أشقائها المساعدة على تجاوز الأزمات التي يعانيها الشعب السوري، خصوصاً الصعوبات المالية والاقتصادية. والإدارة السورية الجديدة مُرتاحة للتعاطي الإيجابي الذي حصل معها من قبل دول عربية أساسية، وهي ستبادل بالمثل هذه الإيجابيات المُهمة، كما قال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أسعد الشيباني.
ما يجري في بعض المناطق السورية، لاسيما في الشمال الشرقي، يحتاج لعناية دبلوماسية وأمنية مركَّزة، ذلك أن التوترات المُتنقلة في مناطق سيطرة القوى الكردية، قد تخفي سلبيات غير محسوبة، وربما تكون مدفوعة من قوىً خارجية. وبالرغم من زيارة وفد من «قسد» إلى دمشق، واجتماعه مع الشرع، إلا أن ذلك لم يُبدّد المخاوف القائمة، ولواشنطن في هذا السياق دور أساسي في بلورة الوضع في تلك المناطق، لا سيما بعد التسريبات التي تحدثت عن تحديات قد تقوم بها قوىً إقليمية مختلفة على أراضي الشمال السوري. إن الاستراتيجية التي ستعتمدها الولايات المتحدة في التعامل مع التغييرات الحاصلة في سوريا مهمة جداً.

أخبار ذات صلة

0 تعليق