كان من المتصور، قبل أن تمتدّ نيران الحرب في غزة إلى ميادين أخرى خارج فلسطين، أن تكون نهايتها مساءلة حتمية لطرفيها الأساسيين: بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحركة «حماس».
ومساءلة نتنياهو ورفاقه في السياسة والجيش توقّع الجميع أن تكون شأناً إسرائيلياً داخلياً محوره التقصير الذي مكّن «حماس» من اختراق مفاهيم الأمن الإسرائيلي بشكل مفاجئ ومؤثر في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وقد يكون بنيامين نتنياهو أفلت من المحاكمة الشعبية والرسمية بعد أن ساعدته تطورات الحرب على تحقيق ما يعتبره المجتمع الإسرائيلي انتصارات كبرى واستراتيجية خارج غزة تتمثل في توجيه ضربة قاصمة لـ «حزب الله» طالت قياداته وصورته الذهنية التي وضعته نداً في مواجهة إسرائيل، ثم تثبيت الوجود الإسرائيلي في الجولان السوري والتمدد إلى مناطق سورية أخرى بعد سقوط نظام بشار الأسد.
ولا شك أن ذلك ساعد نتنياهو في العودة إلى الاهتمام بأهدافه من الحرب على غزة ومرحلتها، بادئاً بإعادة الرهائن من غير تخلٍ عن التصميم على إنهاء وجود «حماس» في القطاع، وهو أمر لم تمنع قيادات إسرائيلية عن تكراره هذه الهدنة التي يصفها كثيرون بالهشاشة والقابلية للتفجر في أي وقت، أي العودة إلى استهداف القطاع.
أما «حماس»، فليس بوسعها التهرب من المساءلة عمّا جرى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وبعده، ولو حاولت التفلت من ذلك بالترويج لنصر ترى أنها حققته رغم أن كل شبر في غزة يكذّبه.
لا حديث هنا عن آثار الحرب على المنطقة طوال خمسة عشر شهراً، ففي غزة ما يغني عن ذلك، والنتائج كلها موثقة بصور أقوى من التحريف والتوجيه، وأرقام آتية من كل اتجاه تدعم ذلك.
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة يحصي 14 ألفاً و222 مفقوداً خلال الحرب، ويرفع حصيلتهم إلى 47283 قتيلاً و111472 مصاباً. ولا معنى للفقدان في القطاع الذي تهدم معظم مبانيه إلا غياب المفقودين تحت الركام، وربما تحلل جثثهم، وحتى إن بقيت سليمة فإن الوصول إليها قد يستحيل في ظل نقص الطواقم والآليات التي تعين على ذلك وسط 42 مليون طن من الأنقاض.
طبعاً، كل الأرقام المتعلقة بخسائر غزة تبقى تقديرية، لكنها دوماً أقل من المتوقع، ولا مجال لتعويض الخسائر البشرية، ويصعب فعل ذلك أيضاً مع المصابين والأطفال والنساء، كل من فقد قريباً أو حبيباً.
يمكن الحديث، نظرياً، عن إعادة العمران واستعادة ثلثي مباني غزة المدمرة أو المتضررة، لكن ذلك أيضاً ليس بالأمر الهين، فقرار السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أضاع حوالي 60 عاماً من التنمية حسب أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومداواة ذلك تتطلب سنوات طويلة لا يمكن توقع عددها بالتحديد في ظل المخاوف من انهيار الهدنة، وعشرات مليارات الدولارات، أي أن مسوغات مساءلة «حماس» ستبقى أمام الأعين عقوداً.
[email protected]
0 تعليق