المصابون بالأمل - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يتفق علماء الطب والنفس والاجتماع على أن مستوى الحالة النفسية والمعنوية للمرضى، وبشكل خاص أولئك المصابون بأمراض مستعصية خطيرة، تلعب دوراً حاسماً في الشفاء وليس ثانوياً فقط، وعلى أن إيمان المريض بإمكانية الشفاء يشكل مدخلاً للتفاعل الإيجابي مع العلاج والتحول التدريجي نحو الخلاص من المرض. لذلك فإننا في «جمعية أصدقاء مرضى السرطان» نؤمن بأن المصاب بأي مرض، مهما كانت درجة خطورته، يجب أن يكون مصاباً بالإيمان والأمل أولاً، فهذه هي العوامل الأكثر تأثيراً في منظومة مناعته ومقاومته.
من الحكايات التي سمعت بها في الماضي وتركت أثراً في نفسي، حكاية سيدة في متوسط العمر كانت تعيش في إحدى قرى الريف الإنجليزي. شعرت السيدة بألم وإزعاج في حنجرتها، وعندما ذهبت للطبيب اتضح أنها مصابة بسرطان الحنجرة.
للوهلة الأولى شعرت السيدة بالخوف والارتباك، لكن الطبيب وجّه لها نصيحة غيّرت مسار حياتها بالكامل عندما قال لها إن الشفاء من أي مرض يتوقف، إلى جانب الالتزام بالدواء والعلاجات، على الحالة الذهنية والمعنوية للمريض، وعلى مقدار ما يتمسك به من أمل في الحياة وثقة بالشفاء، وهذا يجعل دور المريض في دحر المرض، لا يقل أهمية عن دور الطبيب بكامل خبراته وتخصصاته.
عادت السيدة إلى بيتها، ولأنها كانت تحب أن تمضي معظم وقتها في حياكة الملابس يدوياً، بدأت خلال انشغالها في هذه الهواية بتخيل المعركة التي تجري داخل جسدها بين السرطان وجهاز المناعة، فتشجع جهاز المناعة، الذي كانت تتصوره وكأنه جيش مجهز بسلاحين أساسيين، الثقة بالشفاء، والأمل بالحياة. وبعد ستة أشهر من الالتزام بالبرنامج العلاجي، والتحلي بالثقة والأمل، بدأت السيدة تشعر بالتحسن، وعندما ذهبت للفحص، وجد الطبيب تراجعاً وانحساراً في المرض، الذي شفيت منه تماماً بعد أقل من عام على التشخيص.
قد لا تكون هذه الحكاية دقيقة تماماً، وقد تكون تعرضت لبعض الإضافات أثناء نقلها، لكنها تبقى دعوة لجميع مرضى السرطان في العالم، للصمود والمقاومة أمام المرض، وعدم الاستسلام للمخاوف والهواجس التي تقتلنا ألف مرة ونحن أحياء. إن الأعراض النفسية لمرض السرطان لا تقل خطورة عن الأعراض الجسدية، لأن أضرار النفس من الصعب شفاؤها حتى لو شفي الجسد.
وهنا لا بد من التأكيد على أن الأمل بالشفاء لا ينمو في الفراغ، بل يحتاج للبيئة والمناخ المناسبين؛ إنه نبتة قوية وشجاعة، ولكنها حساسة جداً وتحتاج للرعاية في نفس الوقت، في هذا السياق يبرز دور المجتمع والأهل والأصدقاء من خلال الرعاية المجتمعية والأسرية والمنزلية، ودور الجمعيات والمؤسسات في تقديم الدعم النفسي، والمؤازرة، والتشجيع، ونشر الوعي بكيفية التعامل مع المريض، والمرض وتداعياته وآثاره.
إن إهمال الجانب النفسي والمعنوي لمرضى السرطان قد يكون خطيراً جداً، ويجب أن يؤمن كل فرد في محيط المريض بأنه عامل لا يمكن الاستغناء عنه في عملية الشفاء، أو في عملية التلطيف من آثار المرض، وتجنيب المريض العذاب النفسي إلى جانب العذاب الجسدي.
تشمل النصائح التي تقدمها «كليفلاند كلينك أبوظبي» للتعامل مع الآثار النفسية والعاطفية لمرض السرطان بناء شبكة دعم تضم عدة أشخاص من العائلة والأصدقاء لتلبية احتياجات المريض، والحصول على نصائح الخبراء والمتخصصين في الصحة النفسية للتعامل مع المخاوف التي تساور المريض ومحاربة القلق والاكتئاب.
ليست هذه المقالة دعوة لاستبدال العلاج الطبي لمرضى السرطان بالنفسي والمعنوي، بل دعوة من «جمعية أصدقاء مرضى السرطان» لتحرير المرضى وأهاليهم من الهلع والخوف، وإطلاق القوى الكامنة في النفس البشرية، هذه النفس التي وضع فيها الله من أسرار القوة ما لم نكتشفه بعد، فلا أحد يستطيع حتى الآن أن يسقط التفسير المادي على عناصر لا يمكن للحياة بدونها أن تكون ذات قيمة أو جودة، مثل الإرادة والطموح والإيمان والثقة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق