علي قباجة
ما إن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته، حتى بدأ بالترويج لفكرة إخراج أهالي غزة، أو جزء منهم إلى مصر والأردن. دعوته تلك تحمل براءة في ظاهرها، لكنها تبطن خلاف ذلك، إذ يدعي أن الهدف هو إعادة بناء غزة ثم عودة أهلها تدريجياً خلال آجال قصيرة أو طويلة، أما ما خفي فربما يكون أكبر، حيث إنها تهدف إلى إفراغ القطاع من ساكنيه، وهو ما يتماهى وتوجهات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي خاضت حرب إبادة ضروساً، وصرحت مرات عدة بأنها تسعى إلى تهجير ساكني غزة طوعاً أو كرهاً، وإعادة بناء المستوطنات فيه.
ترامب قال إنه يريد من مصر والأردن «إخراج الفلسطينيين من القطاع في محاولة لإحلال السلام في الشرق الأوسط»، كما أضاف: «نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص لتطهير المنطقة برمتها»، ووصف قطاع غزة بأنه مكان مدمر، وأن الخطوة ستكون «مؤقتة أو طويلة الأجل»، وكان ترامب قد صرّح قبل توليه الرئاسة بأنه يفكر في دعم توسيع رقعة إسرائيل، مشيراً إلى أنه يرى مساحتها صغيرة، وكل ذلك يضع تصريحاته موضع الريبة والشك بأن الأمر برمته لن يكون في مصلحة الفلسطينيين، أو دول الجوار، خصوصاً في ظل انسجام تصريحاته وطموحات إسرائيل التوسعية والإحلالية.
السلام الذي تحدث عنه ترامب، لا يكون باقتلاع شعب ونقله على حساب الأمن القومي لدول أخرى، بل بإجبار القوة القائمة بالاحتلال بوقف توغلاتها وإبادتها وعنصريتها على الشعب الذي حُرِم نور الحرية أكثر من 100 سنة في ظل احتلالين بريطاني ثم إسرائيلي بدعم أمريكي غربي غير محدود، كما أن الشعب الذي تمسك بأرضه وأفشل إسرائيل خلال 15 شهراً من حربها التي شنتها عليه بأعتى أنواع الأسلحة، لن يقبل بحلول ناعمة تسلبه كرامته أو قضيته التي دفع أثماناً باهظة تاريخياً في سبيل الحفاظ على كينونتها وعدم إذابتها في حلول تنتقص منها.
تصريحات ترامب واجهت رفضاً فلسطينياً وعربياً عاماً، التزاماً بدعمهم التاريخي للفلسطينيين، وحفاظاً على الأمن القومي العربي، لأن أي تصفية لمظلمة الفلسطينيين، ستكون مآلاتها خطرة، وستنقل الصراع لأماكن أخرى، وساعتئذٍ ستتوسع المواجهة ولن تنحصر في أرض فلسطين التاريخية، وبالتالي فإن الاستقرار الذي يتلمسه ترامب عبر تهجير سكان القطاع لن يكون مطروحاً، بل ستكبر دائرة الصراع، بحيث لا يمكن حصرها، كما يضاف إلى ذلك أن شهية إسرائيل لن تتوقف عند حد إنهاء الفلسطينيين، بل ستنتقل إلى دول أخرى، كما يحدث الآن في سوريا أو لبنان، ولا يدري أحد إلى أين ستصل بطموحاتها.
أمريكا إذا أرادت الانحياز للعدل، كما تدعي، فعليها ردع إسرائيل، والاعتراف بحق الفلسطينيين الأصيل في إقامة دولتهم المستقلة وفي حقهم بتقرير المصير، لا بالتماهي مع سياسات اقتلاعهم.
[email protected]
0 تعليق