في الجغرافيا السياسيّة اللغويّة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

كيف ترى نظرة علماء لغتنا إلى العربيّة، ومدى فاعليّة تعاملهم معها؟
بادئ ذي بدء، هم أعلم الناس بأصولها وفروعها، سوى أنهم على طبيعة جلّ العرب، يعرفون أنهم يمتلكون ثروات، تبقى القدرة على استثمارها والحفاظ عليها وتنميتها.
لو قلت لأحد اللغويين: ما رأي العربية في أن إمبراطوراً، من على مسافة اثني عشر ألف كيلومتر، يستطيع إصدار قرار يجعل منطقةً عربيةً، تنطق بلغة غير العربية؟ هل علماء لغتنا يخطر على بالهم التفكير في الجغرافيا السياسية اللغوية؟ ما الذي يمكن أن يحدث إذا أطلقت العربية صيحةً، متوهمة استنساخ «وامعتصماه». هدّئ من روعك، لا حاجة إلى استعادة إخراج الملاحم القديمة ومرادفات غبار الجحافل، العِثْير، القسطل. آخر غبار لا يُشقّ، أثاره الجنرال رومل في الصحراء الليبيّة بعشرة آلاف من الإبل.
شاءت الأقدار أن تكون لعلماء اللغة نظرتهم الخاصة إلى حياة العربية. حياتها عندهم، أن يظل المفعول في آخره فتحة تدل عليه. أن يبقى الفاعل مرفوعاً. أمّا أن تكون الجغرافيا السياسية للعربية رهينة إمضاء على قرار في البيت الأبيض، فتلك مسألة للكرامة اللغويّة فيها نظر. ما الذي يحدث عندما يصدر أمرٌ أجنبيّ، في قارّة نائية، يقضي بأن تصحو شعوب ناطقة بالعربية، على أعمال عدوانيّة تزعزع سيادتها وهويتها؟ فعليها في القانون الدولي المفروض، أن تنسى أبجديّتها وقواعدها، وتنوح: «قبلتُ فرض الحرف لم أستشرْ.. وحرت فيه بين شتى الفِكَرْ.. وسوف أنضو النطق عنّي ولم.. أدرك لماذا النطق، أين المفرّْ؟».
ثمّة من يلهو بالكلام، من يتوهم أن علماء اللغة لا يكترثون للقضيّة الجيوسياسية في اللغة، فيتوهّمون أنها منحصرة في قواعد سيبويه والفرّاء والكسائي، وأن للغة مناعةً مكتسبةً، فعلى العرب أن يناموا قريري العيون، فسيظل الحال منصوباً، وستبقى أخوات «كان وإنَّ» أمضى أمراً من الخواتين في عصور المغول.
في المساحة الضئيلة المتبقّية، على علماء اللغة وضع جدول الأعمال هذا نصب عين الدماغ: القضية اليوم لم تعد الحفاظ على سلامة العربية، بل الحفاظ على وجود العرب، فلا العربية تبقى ولا هم، إذا انهارت مقومات الجغرافيا السياسية. تغدو اللغة وعلومها وآدابها، ريشةً في مهب الأعاصير، إذا لم تكن قائمةً على دعائم جيوسياسية فولاذية. لا ثراءَ للغةٍ لا تنتج العلوم. ركام الصيغ البلاغية لا قيمة له، إذا لم يكن العصر في حاجة للغة.
لزوم ما يلزم: النتيجة المركزية: أمست العناية بالعربية، في قواعدها وكتابتها، هامشيةً، فقد شمّرت القضايا الجيوسياسية، عن ساقها، فشدّوا.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق