الغزو الثقافي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمد القبيسي

في عصر العولمة والتكنولوجيا، أصبح الغزو الثقافي كالغبار المتناثر في الهواء، نستنشق تأثيراته دون أن نشعر! مع كل حلقة من مسلسل أجنبي، أو نقرة على تطبيق، أو حتى إعلان بسيط، نجد أنفسنا محاصرين بثقافات غريبة تخترق حياتنا من كل صوب، والأسوأ من ذلك، أن هذه التأثيرات لا تقف عند حدود الجوانب السطحية مثل الملبس والمظهر، بل تتغلغل في عمق عاداتنا وأفكارنا، لتعيد تشكيل قيمنا بطريقة غير مباشرة.
تخيل أنك تفتح التلفاز لتجد مسلسلاً يعرض أسلوب حياة بعيداً عن ثقافتك، لكنه جذاب ومسلّ. ما الذي يحدث؟ يبدأ العقل، من حيث لا تدري، بالانجذاب وتقبّل هذه القيم الغريبة كأنها الطريقة الأصح للعيش. هنا يظهر وجه الغزو الثقافي بوضوح من خلال تصديره لثقافات شعوب أخرى في ثوب أنيق وممتع.
وما يزيد الطين بلة، أن الإنتاج العربي يعاني ضعفاً في الكم والنوع، تاركاً مساحة شاسعة لهذه التأثيرات الأجنبية لتسيطر على المشهد. كأنك في سباق مع عداء محترف، بينما ترتدي حذاء مثقوباً! ولأن المحتويات الأجنبية تأتي بخفة الظل والإبهار، يصبح من السهل أن تجذب الشباب تحديداً، في حين يتراجع الإنتاج المحلي محاولاً اللحاق بالركب.
كيف نتصدى لهذا الغزو؟ الجواب ليس في إغلاق الأبواب أمام العالم، بل في تمكين هويتنا الثقافية من الداخل. وهذا يبدأ بدعم الأعمال الإبداعية، سواء عبر الأفلام أو الكتب أو البرامج، لتجسيد روح المجتمع بعمق، لا لتقديمها بصورة سطحية أو مهينة.
هذا المحتوى المحلي ليس مجرد أداة ترفيه، بل هو مرآة لهويتنا، وبتقديم محتوى يحمل قضايا مجتمعنا وهمومه وتاريخه، يمكننا جذب جمهور محلي وعالمي بأسلوب مقنع وممتع.
لكن دعم الإنتاج المحلي وحده لا يكفي، نحتاج أيضاً إلى زيادة وعي الشباب بمخاطر الغزو الثقافي. وهنا يأتي دور التعليم والإعلام، حيث يجب أن تركز المناهج الدراسية على تعزيز الهوية الثقافية، بينما يسلط الإعلام الضوء على أهمية هذه المنجزات. وبما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت شريكاً أساسياً في تشكيل الوعي، فيمكن استغلالها بذكاء لنشر ثقافتنا وإبراز إبداعاتنا.
التحدي الحقيقي لا يكمن في إغلاق الأبواب أمام الثقافات الأخرى، بل في إيجاد التوازن الدقيق: كيف ننفتح على العالم دون أن نفقد ملامحنا الخاصة؟ الغزو الثقافي أشبه بمعركة صامتة، سلاحنا الأقوى فيها هو إنتاج محلي مبدع يعكس هويتنا بصدق، ووعي جماعي عميق بأهمية الحفاظ على قيمنا وعاداتنا. إذا استطعنا تحقيق هذا التوازن، سنستقبل كل جديد بأذرع مفتوحة.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق