يتصاعد جدل عالمي أثارته تقارير عن نشر كوريا الشمالية الآلاف من قواتها في روسيا.
وبينما يقول حلفاء أوكرانيا إن هذه القوات جاءت لمساندة موسكو، وتمثل انخراطاً في الحرب الدائرة، على الرغم من أن هذه القوة المحدودة لن تؤثر في ديناميكيات الصراع الذي تراكم فيه القوات الروسية مكاسبها كل يوم وتتقدم على طول خطوط الجبهات المفتوحة في شرق أوكرانيا.
كل المؤشرات تؤكد أن روسيا ليست بحاجة للدعم من حلفائها، وتمتلك وفرة في العديد والعدة والقرار السياسي، ولا تخشى الهزيمة التي تكاد تتبدد، مع استنزاف موارد أوكرانيا وحلفائها الغربيين، بعد فشل «الهجمات المضادة» وسقوط أغلب الخطط المعلنة لتحقيق النصر ودحر القوات الروسية من الأراضي التي سيطرت عليها في أوكرانيا. ومع ذلك تظل الأسئلة مشروعة حول أهداف نشر قوات كوريا الشمالية في روسيا، بالتزامن مع تكثيف بيونغ يانغ تجاربها الصاروخية المتوسطة والعابرة للقارات، وعزمها زيادة أنشطتها النووية المثيرة للذعر في شرقي آسيا، بالتوازي مع عقد اتفاقيات وتفاهمات، ظاهرة وخفية، مع قوى كبرى مثل روسيا والصين وغيرهما.
وفي ضوء هذا التشابك، لا يمكن النظر في التفاصيل دون الصورة كاملة، فالقوات الكورية الشمالية المنتشرة في روسيا واحدة من الوسائل العملية لتوثيق التحالف بين البلدين، وغايتها أبعد من الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتتعداها إلى سياق المواجهة العالمية المفتوحة على المجهول، وتتصادم في أكثر من نقطة توتر في الأزمات المشتعلة من وسط أوروبا إلى بحر الصين الجنوبي عبوراً بالوضع الملتهب في الشرق الأوسط.
التقارب بين كوريا الشمالية وروسيا ليس جديداً، ولكنه في ضوء المتغيرات الدولية الجديدة وحالة الصراع التي تعيشها موسكو مع واشنطن وحلفائها الغربيين، يأخذ ذلك التقارب أبعاداً أخرى، إذ يقف البلدان في خندق واحد بوجه نفس الخصوم، وهو ما يدفعهما إلى بناء عقيدة مشتركة واستقطاب قوى أخرى تشاركهما ذات القناعات لبناء جبهة عالمية تتشكل وتتسع وتراكم قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهناك كثير من القرائن والشواهد على هذا التوجه الذي لا يبدو أنه سيغير بوصلته، مهما كانت الإغراءات والإكراهات التي قد تطرأ في مقبل الأشهر والسنوات.
قبل أسابيع قليلة، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورفيقه في القناعات، نظيره الصيني شي جين بينغ، إن بناء عالم متعدد الأقطاب لا رجعة فيها، وإن الهيمنة الغربية وكل مخالبها السياسية والاقتصادية سيتم تقليمها، كما هدد بوتين بالرد على الدعم الغربي لأوكرانيا، بفتح قنوات المساعدة والتسليح لكل القوى المناوئة للولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما يتضح في أكثر من موقع مع انتشار الأسلحة الحديثة والصواريخ فرط الصوتية وأنظمة الرصد والتشويش والهجمات السيبرانية والقرصنة الدقيقة.
وفي خلفية هذا الموقف، بدأ رسم خرائط جديدة تعبّر عن عالم مختلف يتشكل، ليس بالتفاهمات، بل بالقوة وبالتحالفات المسلحة. وربما في هذا السياق، يمكن فهم التعاون القائم بين كوريا الشمالية وروسيا على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا، التي تحولت إلى ساحة مناورات عالمية بالذخيرة الحية، وتتواجه فيها الأطراف التي ضاقت بالنظام الدولي القائم والقوى المتشبثة به والمدافعة عنه.
وهذه المعركة القاسية تسير وفق خطة استنزاف طويلة الأمد حتى تحقق أهدافها أو تنزلق إلى شر لا بد منه يبدو محتمل الوقوع.
[email protected]
0 تعليق