يونس السيد
بعد مرور 1000 يوم على العملية العسكرية الروسية، لا يزال الغرب يمسك بالورقة الأوكرانية كنقطة ارتكاز في المواجهة مع روسيا، على الرغم من فشل كل الضغوط الغربية في ثني موسكو عن مواقفها أو إجبارها على التراجع، وإصرارها على رفض تقديم أي تنازلات أو حتى تلبية الحد الأدنى من المتطلبات الروسية التي تسمح بإنهاء الحرب.
وبدلاً من الجنوح نحو تسوية سياسية تضع في الاعتبار مصالح كل الأطراف، يحاول الغرب الهروب إلى الأمام عبر السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بالأسلحة الأمريكية والأوروبية المتطورة، في خطوة تصعيدية محفوفة بالمخاطر الجدية والتي من شأنها أن تهدد الأمن العالمي.
والواقع أن ثمة أسئلة كثيرة تطرح حول توقيت هذه الخطوة وأهدافها، خصوصاً أن الغرب تحمّل على مدار أكثر من عامين ونصف العام كلفة هذه الحرب من دون أن يلجأ إلى استفزاز موسكو بهذه الطريقة المباشرة، وهو يدرك أن الرد الروسي سيكون صارماً وحازماً عندما يتعلق الأمر باستهداف أي من المدن الروسية أو منشآتها الحيوية.
واللافت أن هذه الخطوة التي اتخذها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نهاية عهده، ورحب بها حلفاؤه الغربيون، جاءت متأخرة وقبل أسابيع قليلة على تسلم خليفته دونالد ترامب مهام منصبه في البيت الأبيض.
وقد بات معروفاً للجميع أن ترامب يرغب في إنهاء هذه الحرب، فهل معنى ذلك أن بايدن يريد وضع العراقيل أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، ويصعب من مهمة ترامب في التوصل إلى تسوية لهذه الأزمة، أم أنه يريد تحسين الموقف الأوكراني عند الانخراط في المفاوضات المنتظرة، كما يذهب بعض المحللين؟
في كل الأحوال، من المؤكد أن الإذن باستخدام هذه الأسلحة شيء، واستخدامها فعلياً شيء آخر، ويدور الحديث هنا عن أسلحة صواريخ دقيقة ونوعية وبعيدة المدى بينها صواريخ «أتاكمز» الأمريكية، وصواريخ «توروس» الألمانية والمسيرات المتطورة جداً والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي، ويجري الضغط على ألمانيا لإرسالها.
بالنسبة لموسكو، فإن استخدام مثل هذه الأسلحة يعني انخراطاً مباشراً للغرب في الصراع، انطلاقاً من أن استخدامها يحتاج إلى وجود خبراء وعسكريين غربيين في أوكرانيا، وبالتالي فإنه يطلق مرحلة جديدة من الصراع بدلاً من الذهاب إلى التهدئة.
خطورة هذا الأمر أنه يأتي في مرحلة انتقالية للإدارة الأمريكية، أي مرحلة رمادية لا تستطيع فيها واشنطن اتخاذ قرارات حاسمة، وهو ما يدفع موسكو إلى التلويح «برد متناسب» مع التصعيد الجديد، أي ما يحمل في طياته استخدام أسلحة نووية تكتيكية، بعد أن عدلت عقيدتها النووية وصادق عليها الرئيس الروسي بالفعل.
وهنا مكمن الخطر الحقيقي، إذ إن الوصول إلى هذا الحد قد يعني اندلاع حرب عالمية، لن تبقى نتائجها محصورة في أوكرانيا بالتأكيد، وإنما ستدفع أوروبا كلها ثمنها، وربما العالم بأسره، إن لم يتم الاستدراك سريعاً والعودة إلى العقلانية، والبحث عن تسوية منصفة لكل الأطراف.
0 تعليق