بدوي من صحراء الجزائر، في السابعة عشرة من عمره ينشر روايته الأولى. ينخرط في السلك العسكري، ولكي يخبئ الروائي عن عيني العسكري يكتب تحت اسم مستعار هو اسم زوجته ياسمينة خضرة، ويظل اسمه الحقيقي محمد موليسهول متوارياً عن الأنظار سنوات طويلة، لكنه، في النهاية، وقد ودّع السلاح والازدواجية والخوف، يعود إلى محمد موليسهول، ويكتب تحت اسمه العديد من الروايات.
ولكن، لماذا ياسمينة خضرة، زوجته؟ يقول: كانت أقرب إنسانة إليّ في تلك الأزمنة (يقصد أزمنة العمل العسكري)، ولذلك اخترت اسمها لأنها كانت تمدّني بالقوّة والطموح الحقيقي للأديب الذي كنت أسعى إليه. ويضيف: صحيح أن الإنسان العربي لا يتحمّل أن يُلقب باسم امرأة، لكن المرأة هي نوع من الرقي الأدبي، وتوجّهنا في الأدب عادة إلى ما يميل إلى الشعر حتى ولو كنّا نكتب رواية. بصمة الشعر أكثر من بصمة الرواية. (حدائق موليير: صفحة 138).
كانت الزوجة أوّل من تقرأ ما يكتبه العسكري الشاب، وكان يحذف من الرواية كل ما لا ترضى عنه ياسمينة خضرة، ويقول إن زوجته تستحق أن يكتب عنها رواية.
بالطبع، كان يمكن للبوليس السرّي أن يتوصل إلى محمد موليسهول ببساطة عن طريق تقصّي اسم الزوجة الحقيقي، الذي سيدل على اسم الزوج الكاتب تحت الاسم المستعار.
مغامرة تستحق في حدّ ذاتها رواية، لكن الحب لا يعترف بنتائج المغامرات، ولولا الحب لما استطاع صاحب «بماذا تحلم الذئاب؟» أن يكرّس اسميه: المستعار والحقيقي، في تاريخ الرواية الجزائرية. وهو حين اطمأن إلى أمن حياته وقد نجا من الخوف والالتباس أعاد اسم زوجته إليها، واسترد منها محمد موليسهول وهي تبتسم.
انظر في هذه التركيبة من الاسم الحقيقي والاسم المستعار إلى الحب فقط، امرأة تغطي زوجها باسمها كما لو كانت تغطيه بشعرها. شيء كثير من القوة والشجاعة من أجل الكتابة، والكتابة في تكثيفها المادي والمعنوي ما هي سوى الحب.
قصة اسم يحرس اسماً آخر بالمعنى الرمزي والمعنى الحقيقي، ولو كنت مكان محمد موليسهول لما عدت أبداً إلى اسمي الحقيقي، وبقيت ياسمينة خضرة إلى ما لا نهاية، فكل ما كتبته تلك المرأة هو من حقها الأدبي. من حق رُقّيها الأدبي.
إذاً، أولاً وثانياً وثالثاً: الكتابة هي الحب سواء أكانت باسم حقيقي أم باسم مستعار. الكتابة أيضاً هي الشجاعة، وهي الرقيّ، ولكن ما من شجاعة وما من رُقيّ إلا وقاما، أساساً، على حب. حب يقوي. حب يشفي، ويحمي، ويُغطي.
في مذكراتها التي جاءت بعنوان «حياتي» تصاب الراقصة الأمريكية إيزادورا دونكان (1877-1927) بالمرض، غير أن طبيبها هتف بها «أنت لست مريضة: فقط روحك هي المريضة. أنت جائعة إلى الحب. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يشفيك هو الحب، الحب، والمزيد من الحب».. هذه الشمس الحمراء كما كان يصفها بودلير. وفي الحب، أيضاً الكثير من الياسمين الأخضر.
0 تعليق