ليست المرة الأولى التي يقيل فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزير الحرب يوآف غالانت، فقد قام في مارس/ آذار 2023 بإقالته على خلفية خطة إضعاف الجهاز القضائي بوضعه تحت تصرف الحكومة، لكنه عاد وتراجع عن قراره تحت ضغط التظاهرات الواسعة التي شارك فيها نحو مليون إسرائيلي آنذاك.
هناك في الواقع أزمة ثقة عميقة بين الرجلين تجلّت في العديد من المناسبات، وكانت تتجمع سحبها الداكنة خلال الحرب على غزة، وتجاه الموقف منها، خصوصاً ما يتعلق بقضية الرهائن والمحادثات بشأنها للتوصل إلى صفقة تضع حداً للحرب بعودة الرهائن وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين في المقابل، إضافة إلى قضية تجنيد الحريديم في الجيش، وتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
كان غالانت يؤيد الوصول إلى «صفقة» بشأن الرهائن وتقديم «تنازلات مؤلمة»، ويتهم نتنياهو بالمماطلة وتخريب المفاوضات كلما وصلت إلى مرحلة متقدمة، ويرفض إصرار نتنياهو على تحقيق «نصر مطلق»، ويعتبر ذلك «هراء»، كما حثه مراراً على وضع خطة لإدارة غزة بعد الحرب.
كما كان يدعو إلى تجنيد الحريديم في الجيش أسوة بغيرهم نظراً للحاجة إلى مزيد من القوات كي تتمكن من خوض حرب على جبهتين، حيث بات الجيش منهكاً ويحتاج إلى مزيد من القوى، كذلك يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق في أحداث السابع من أكتوبر، تحقق معه ومع نتنياهو، ومع كل المستويات الرفيعة في المؤسسة الأمنية والعسكرية.
لكن نتنياهو كان يرفض كل هذه المطالب ويرى أن غالانت يحاول وضعه في الزاوية ويريد إضعافه، وبالتالي انهيار الحكومة وإنهاء حياته السياسية، لأن أي تحقيق في أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول سوف يطوله مباشرة، كما أن التوصل إلى «صفقة» بشأن الرهائن سوف يسقط من يده ورقة استمرار الحرب كي يبقى على رأس الحكومة حتى موعد الانتخابات المقبلة عام 2026، كذلك فإن الإصرار على تجنيد الحريديم في الجيش سوف يؤدي إلى انفراط حكومته بعدما هدد وزراء الأحزاب المتطرفة بالانسحاب منها في حال تنفيذ قرار المحكمة العليا بإلغاء إعفائهم من التجنيد.
وهكذا قرر نتنياهو التخلص من وجع الرأس المزمن بطرد غالانت وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس مكانه، وتعيين جدعون ساعر وزيراً للخارجية، وهذا يعني وفقاً للمحللين الإسرائيليين أن نتنياهو أصبح المسيطر على المؤسسة العسكرية باعتبار أن كاتس يعتبر مجرد واجهة لرئيس الحكومة.
تسببت الإقالة في موجة انتقادات واسعة داخل إسرائيل، خصوصاً أنها تأتي في أوج الحرب، وتعمق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي، وتزيد من حدة الاستقطاب السياسي، ووفقاً لموقع «تايمز أوف إسرائيل» فإن إقالة غالانت بهذه الطريقة «تمهد إلى إحكام قبضة نتنياهو على المؤسسة العسكرية»، ويرى يوسي فيرتر في صحيفة «هاآرتس» أن ما قام به نتنياهو «يثير رعباً حقيقياً في إسرائيل على مستوى لم نعرفه بعد، فرئيس الوزراء منشغل في محاكمته بتهم الفساد وفي إحباط التحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر، وفي التحقيق بسرقة المعلومات السرية المتعلقة بالحرب من مكتبه وتسريبها لصحف أجنبية»، ويتحدث يوآف ليمور المحلل العسكري لصحيفة «إسرائيل اليوم» عن «مخاطر محدقة بالأمن الإسرائيلي» قائلاً إن «إقالة غالانت في أوج الحرب حدث غير مسبوق، ويعتبر صفعة للمجتمع الإسرائيلي والجنود الذين دفعوا ثمن الحرب». وهكذا فإن نتنياهو قرر اختيار مصلحته على مصلحة إسرائيل.. وقرر طرد غالانت، وربما يطرد غيره.
0 تعليق