قال القلم: هل أستطيع أن أتكلّم، شريطة أن تطيق عليّ صبراً؟ قلت: وما منعك، وأنت منذ نصف قرن تهذي، وما أنت بمسمع من لا تستهويهم القشور؟ قال: بصراحة، فلا تحسبنّها وقاحة، حيّرتْني طرائق التفكير والسلوك عندكم يا بني يعرب. لعلك تدري أننا نحن، معشر الأقلام، يجري على ألسنتنا مكنون باطننا. قلت: فسّر، حتى لا أحزّر وأفزّر.
قال: تذكر أنك وعدتَ بألاّ تحنق أو تحمق، فلا أفزع ولا أهلع لأنك لست بثائر، وأنا لست منافساً ولا مرافساً. هل نسيتَ أن ابن خلدون قال: «إن المغلوب يقلّد الغالب»، وقد أوقع الناس في الوهم واللبس طوال ستة قرون. في أحسن الحالات وأهونها يكون قد أصاب وأخطأ في آن. نفوس العالم العربي حالياً أربعمئة مليون، أي عشرات أضعافهم في عصره، الرابع عشر الميلادي. هل قلّدوا الإمبراطوريات الثلاث التي أرتهم نجوم الظهر في أغسطس، فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة؟ هل ساروا على نهجها في المناهج والبحث العلمي والاقتصاد والتنمية وبناء قوة، كتلك التي كانت لقدمائنا، تستجيب لصرخة امرأة بجيش جرّار؟ لكن وجهة نظر الأستاذ عبدالرحمن مصيبة، إذا كان المقصود بالتقليد الهمبرغر والجينز الممزق من خلف ومن قدّام. كلام سليم (العرب تقول للديغ: سليم، تفاؤلاً) إذا كان التقليد من قبيل الزبد يذهب جُفاءً، أو غثاءً قشّاً تذروه الرياح.
قلت: دعنا من الهوامش والحواشي، اذهب إلى المتون، هل من جديد مقترح، فالوضع مقروح؟ قال: إذا كان المغلوب يصرّ على أن يظل ما اختلف الليل والنهار مغلوباً مسلوباً منكوباً منهوباً، فليجرّب ولو مرّةً تقليد الغالب في شعاراته. إذا كانت الأمة قد زهدت في روائع الدوافع إلى استئناف حضارتها واستعادة عنفوانها، وعطاءاتها في كل الميادين، وعظمة مركزيتها وقوة جاذبيتها، فلم لا تقلّد دونالد ترامب في شعاره: «فلنجعل أمريكا عظيمةً مرّةً أخرى»؟ وليضحك من شاء، إذا سمع العرب يهتفون «فلنجعل الأمّة العربية عظيمةً مرّة أخرى». إذا تعذر ذلك، لأنهم يصعب عليهم التصديق، فليقلّدوا باراك أوباما في شعاره: «إننا نستطيع». لكن عبارته لا تخلو من الدعابة. إذا قال العرب: «وي كان»، فسوف يرد المغرضون: «في خبر كان». دعنا من ذلك، فالشاعر يقول: «إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ.. وجاوزه إلى ما تستطيعُ». حسناً: هل ستقول إننا لا نقدر حتى على تقليد لوثر كينج في شعاره: «لديّ حلم». هل يعقل أن تكون أمّة بها أربعمئة مليون طاقة عاجزةً حتى عن الحلم، حلم السيادة، حلم العزّة والكرامة والإباء؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التجميعية: لدينا حلم بأننا نستطيع جعل الأمّة عظيمةً مرّة أخرى.
[email protected]
0 تعليق