مفارقات المثقفين في الأحداث - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هل سيحدث في الثقافة العربيّة ما جرى من طفرات في الآداب والفنون بُعيد الحرب العالمية الأولى، في أوروبا؟ عندما وضعت الحرب أوزارها سنة 1918، كان عدد كبير من مدن القارة العجوز قد بات حطاماً، لكن لا كركام غزة. مشاهد تحويل الحضارة إلى عصر حجري في ديار العلوم والفلسفة والآداب والموسيقى السيمفونية وروائع العمارة والمتاحف الأسطورية، جعلت البنيان المادّي والمعنويّ صروحاً من خيال قد هوت. لم يكد يمضي على نهاية الدّمار عامان، حتى طفق الأدباء والفنانون التشكيليون يطلقون الداديّة، ولاحقاً سائر التيارات المضادّة لكل ما هو كلاسيكي.
هل كانت القفزة العملاقة، إلى فوق أم إلى تحت: من فيكتور هوغو إلى الداديّة، من رامبرانت إلى التجريديّة، من بيتهوفن إلى موسيقى المونتاج (صرير عجلات القطار، طرقات مطارق، عواء...). الآن، ما هي مفاجآت الإبداع العربي بعد التحوّلات التي يشهدها الشرق الأوسط؟ للقلم رأي آخر، فالعالم العربي تغير مئة وثمانين درجةً عمّا كان عليه سلوك ابن شدّاد: «وإذا بُليت بظالم كن ظالماً». كلاّ يا أستاذ عنترة، أنت لا تستطيع أن تحوّل بيتاً من البحر الكامل «متفاعلن متفاعلن متفاعلُ» إلى مادّة في القانون الدولي، الدنيا لم تعد فوضى يفعل فيها كل من هبّ ودبّ ما طاب له أن يفعل.
دعنا من ذلك فليس موضوعنا. في نهاية المطاف، من حق الشعوب العربية أن تطمئن إلى أن أدباءها، شعراء وكتّاباً، وفنّانيها تشكيليين وموسيقيين ومسرحيين وسينمائيين، هم مرآة حياتها ووجدانها، هم نبضها وخفقانها وإرادتها، إزاء محيطها وزمانها. المشكلة المقلقة هي أن مكوّنات الهوية الثقافية هي نفسها تنحدر من دون إرادة إنقاذية من الأوساط الثقافية. العربية تتراجع أمام هجمات داخلية متجسدة في اجتياحات العاميّة في وسائط الإعلام، وأخرى خارجيّة متمثلة في الغلبة الساحقة للإنجليزية في التعليم والحياة العامّة. أمّا الآداب والفنون، فلم يعد للثقافة العربية مركز جاذبية، ولا نجومية أو زعامة أو ريادة. أخطر الأخطار هو تدني منسوب الإبداع في كل مكوّنات الثقافة. أمّا الكاريكاتور الثقافي، لكي نعود إلى السؤال الأوّل، فهو أن مثقفي القرن الماضي، ومن دون مبرّر موضوعي، انطلقوا في تقليد التيارات الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى، فما أنتجوه ليس امتداداً طبيعيّاً لماضينا، فهل سنراهم بعد تداعي أحجار الدومينو، يبعثون الدادية والسوريالية وغيرها من مراقدها؟
لزوم ما يلزم: النتيجة التبريريّة: بقي للمثقفين مبدأ أنهم اختاروا نهج «الفن للفن»!
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق