الفن في ميزان التحولات - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 


أليس على الأوساط الثقافيّة العربيّة أن تحوّل العبارة القديمة: «الحاجة أمّ الاختراع» إلى مصباح سحري، مفتاح سحري؟
الأوضاع العربية لا تسمح بالهزل، فالأمر ليس تفكّهاً ولا مزاحاً. هذه ليست المرّة الأولى التي تجد الثقافة نفسها أمام حيرة وجوديّة، غير أن عليها ألاّ تفقد التوازن حتى في حالات انعدام الوزن. المثقفون، كغيرهم، لا يعلمون ما إذا كانت المنطقة، والعالم بأسره، أمام العاصفة التي تسبق الهدوء، أم في الهدوء الذي يسبق العاصفة؟ لا قدّر الله، هل تذكرون مقولة هوفوات بوانيي، الرئيس الأول لساحل العاج: «بالأمس كنّا على شفا الهاوية، اليوم، بحمد الله، خطونا خطوةً إلى الأمام».
بين تلك الأوساط الثقافيّة فئات مبدعة، أو محسوبة علـــى الإبـــداع. هـــذه الفئـــات، فـــي الشدائد، مسؤولة عن خط الدفاع الأوّل عن معنويات الشعوب. على العاقل المنصف أن يضع نفسه مكان المشتغلين بالموسيقى في ليبيا، الســـودان، سوريا، لبنان، غزة، العراق... مناكيب الفنون من هؤلاء، عندما كانت البلدان في مأمن من الزلازل والنوازل وسائر المهازل، لم يكونوا يقربون الموسيقى الجادّة، إلاّ من رحم ربّك، وعندما غابت شمس الأمن والاستقرار، وغامت الأجواء، وأغارت الأنواء، لم يعرفوا حيلةً لهم ولا عملاً. هم، مع حفظ الألقاب، كالعصفور فـــي عشّه يفاجأ بالثعبـــان فاغـــراً فــاه. إنهــا الصدمة والترويــــع.
لماذا؟ لأن الفنون في العالم العربي لم ينفخ فيها أحد من روح كبرياء الأوطان. اسأل روحك: من أين تعلّم المؤلف الموسيقي فريديريك شوبان الدفاع عن وطنه بولندا بأعماله الموسيقية؟ وكيف وقف شوستاكوفيتش بآثاره السيمفونية في وجه الاستبداد الستاليني؟ أعماله ليس فيها كلمات حتى تفسّرها الرقابة أو تؤوّلها على أنها إساءة إلى الدكتاتورية الحديدية. هنا، ندرك أن الموسيقى الجادّة تستطيع أن تحمل الأفكار وتعبّر عنها، وحينئذ لا تنقصها الأفكار، لأنها حلّقت في آفاق الفكر، «وتدركها العقول بلا عناءِ».
من الضروري تفهّم الحالة النفسية للفنون العربية، المقصود الأغلبية. لقد كانت دائماً في خفّة واستخفاف. لم تكن تحمّل نفسها الاضطلاع بدور أهمّ من التسلية السطحية، التي ليست سوى وجبات سريعة خالية من أيّ قيمة غذائية، ومشروبات غازية ضارّة. بداهةً، ستحتاج إلى تغيير ذاتها وصفاتها، حتى تقدر على مواكبة ظروف لم تكن مستعدةً لها ولا مؤهلةً. الآن، على المثقفين والأدباء والفنّانين المبدعين أن يهبّوا لإنقاذ منظومة قيم ثقافية تشظّت. تخيّلوها تمثالاً تحطّم، فمن غيركم للترميم وبناء قيم جادّة هذه المرّة؟ لزوم ما يلزم: النتيجة الغربالية: هذا هو الامتحان، الذي يكرم فيه الفن أو يهان.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق