زو زين *
بالنسبة للكثير من الصينيين، سيُذكر عام 2024 باعتباره العام الذي واجهوا فيه حقيقة التعايش مع فترة طويلة من النمو الاقتصادي البطيء.
وعلى الرغم من أن وكالة الإحصاءات الصينية تستعد لنشر بيانات تشير إلى نمو اقتصادي يبلغ نحو 5% لهذا العام، إلا أن هذا الرقم أصبح عديم الأهمية بالنسبة للعديد من المستثمرين والمستهلكين. فقد انخفض العائد على السندات الحكومية الصينية لأجل 10 سنوات إلى أقل من 2% لأول مرة في التاريخ. ووفقاً لخطاب خضع للرقابة ألقاه الخبير الاقتصادي الصيني الشهير جاو شان وين، ربما تم تضخيم معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو ثلاث نقاط مئوية.
وأصبحت القيود الهيكلية طويلة الأجل التي تحد من آفاق النمو في الصين أكثر وضوحاً هذا العام، مثل تقلص عدد السكان وزيادة العرض في سوق الإسكان. وقد دفع ذلك العديد من الشركات الخاصة إلى تقليص استثماراتها، أو إغلاق أنشطتها تماماً.
وحذّر الاقتصاديون من مخاطر دخول الصين في حالة ركود توازني، وهو مصطلح استخدمه ريتشارد كو من معهد نومورا للأبحاث لوصف «العقد الضائع» في اليابان. ويتسم هذا النوع من الركود بمستويات مرتفعة من ديون القطاع الخاص، ما يؤدي إلى زيادة الادخار وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن الوضع الحالي للصين أفضل مما كانت عليه اليابان قبل عقود، إلا أن بكين لا تملك دائماً الوسائل اللازمة لتحفيز فترة طويلة من النمو الاقتصادي. ويشكل سوق الإسكان مثالاً رئيسياً على ذلك، حيث فرضت السلطات الصينية لسنوات قيوداً صارمة على المطورين العقاريين والمشترين المحتملين للحد من المضاربات. ومع ذلك، استمر ركود سوق الإسكان حتى بعد أن خففت الحكومة القيود أو عكست بعض السياسات، ما أدى إلى فقدان الثقة بين الأسر الصينية التي لم تعد ترى العقارات كاستثمار مثالي.
ورغم محاولات بكين رسم صورة إيجابية للاقتصاد وطمأنة المستثمرين العالميين بأن «الصين القادمة ستظل هي الصين»، اعترفت السلطات هذا العام بضرورة تقديم مزيد من الدعم، لإعادة النمو الاقتصادي إلى نطاق معقول.
وفي سبتمبر، أشار كبار صانعي السياسات في الصين إلى الحاجة إلى إجراء تعديلات على السياسات. ورغم التكهنات بإمكانية إطلاق حزمة تحفيز ضخمة، لم تُظهر بكين استعداداً لتبني إجراءات واسعة النطاق. وفي مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي هذا الشهر، أُعلن أن المعايير الرئيسية سيتم تحقيقها من خلال تغييرات سياسية، مثل زيادة سقف العجز المالي، وإصدار المزيد من سندات الخزانة، وخفض أسعار الفائدة ونسبة الاحتياطي الإلزامي.
ومع ذلك، تظل احتمالات تحقيق الصين لانتعاش اقتصادي حاد ضعيفة، حيث تشير التوقعات إلى نمو منخفض بنسب فردية في السنوات المقبلة. هذه هي الحقيقة الاقتصادية الجديدة للصين، ويجب على بكين أن تستعد لها بشكل قوي.
أولاً، يجب أن تتحول الدولة من التركيز على التنمية الاقتصادية إلى توفير الرعاية الاجتماعية. فقد تم توزيع مكاسب النمو السريع للصين خلال العقود الماضية بشكل غير متوازن، حيث تركزت الإيرادات الوطنية لدى الدولة، ما سمح للوكالات الحكومية بإنفاق مفرط على مشاريع بنية تحتية غير ضرورية، بينما استمرت مئات الملايين من الأسر الصينية في العيش في فقر نسبي.
ثانياً، تحتاج الصين إلى تقليص حجم الجهاز الحكومي الضخم المصمم لخدمة اقتصاد وسكان متناميين. وقد بدأت بكين بالفعل في دمج الحكومات المحلية في بعض المقاطعات كتجربة، وينبغي تسريع هذه المبادرة في ظل فترة النمو المنخفضة.
ومع دخول الصين هذه المرحلة الجديدة من النمو البطيء، سيكون التحدي الأساسي هو تحقيق التوازن بين استدامة الاقتصاد وتلبية احتياجات السكان المتزايدة في ظل ظروف اقتصادية أكثر صعوبة.
*محرر الشؤون التقنية في صحيفة «تشاينا مورنينغ بوست»
0 تعليق