مخرجات مؤتمر الأطراف الـ 29 (3-3) - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. محمد الصياد*

«مؤتمر الأطراف المالي»، كان عنواناً مناسباً وموفقاً لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان، من حيث تركيزه، لأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأطراف، على الموضوع المالي الذي ظلت تضعه البلدان الغنية على الدوام في آخر اهتماماتها. ونجحت كتلة الدول النامية في توجيه دفة المفاوضات ناحية التوصل إلى هدف كمي جماعي جديد (New Collective Quantified Goal – NCQG) لتمويل المناخ يبدأ العمل به اعتباراً من عام 2026. والنتيجة أن حل الاتفاق النهائي الذي قضى بتوجيه الحكومات الغنية ما لا يقل عن 300 مليار دولار سنوياً حتى عام 2035 إلى البلدان النامية محل الهدف السنوي السابق البالغ 100 مليار دولار المحدد في عام 2009 للفترة من 2020 إلى 2025. الكثير من وفود الدول النامية انسحبت من الجلسة العامة احتجاجاً على هذا المبلغ المتواضع قبالة المبلغ الذي سعت بقوة لإقراره وهو 1.3 تريليون دولار. كما رفضت الهند القرار بشأن الموضوع المالي. وحتى النص الخاص بموضوع التمويل، يحتمل الغموض والتأويل، ما من شأنه عدم وفاء الدول الغنية بما هي مطالبة به. إذ يقول النص، إن الأموال ستأتي «من مجموعة واسعة من المصادر، العامة والخاصة، والثنائية والمتعددة الأطراف، بما في ذلك المصادر البديلة». علماً أن هدف حزمة ال 100 مليار دولار السارية، التمويل الحكومي المباشر، ونسبة من التمويل العام الذي يتدفق من خلال بنوك التنمية المتعددة الأطراف (البنك الدولي تحديداً)، والتمويل الخاص «المُعبأ» بأموال الحكومة وائتمانات التصدير. كما تم تحديد هدف أكبر يبلغ 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035 في باكو لتوسيع نطاق جميع مصادر الإنفاق لمكافحة تغير المناخ، بما في ذلك الاستثمارات الخاصة في الجنوب العالمي التي لا ترتبط بالحكومات. والطريقة التي سيتم بها تحقيق هذا الهدف الأوسع نطاقاً (1.3 تريليون دولار)، غير مؤكدة، وسوف تتم مناقشتها في العام المقبل في إطار «خريطة طريق باكو إلى بيليم».
في اليوم الأول من قمة باكو، حققت رئاسة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين خرقاً مبكراً، حيث وافقت البلدان الأطراف على المبادئ التوجيهية التي تضع الأساس لإنشاء سوق عالمية جديدة للكربون ونظام خاص بتداول أرصدة الكربون، وذلك بعد ما يقرب من عقد من المناقشات. فقد وافقت البلدان الأطراف على مجموعة من القواعد بموجب المادة 6 من اتفاق باريس. وقد أشاد وزير البيئة والموارد الطبيعية رئيس الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP9)، مختار باباييف، بهذا الاتفاق باعتباره «اختراقاً» «يحقق التفعيل الكامل للمادة 6» من اتفاق باريس. ومع الموافقة على القواعد الخاصة بالمادة 6.2 التي تنظم تجارة الانبعاثات الثنائية بين البلدان، والمادة 6.4 التي تنشئ سوقاً دولية للكربون، ستستكمل البلدان الآن التفاصيل الفنية، ويمكنها إطلاق الأسواق الجديدة اعتباراً من عام 2025. ومن المرجح أن تتكون الدفعة الأولى من شهادات الكربون التي سيتم تداولها بموجب الاتفاق، من الشهادات القديمة التي تم إنشاؤها في الأصل بموجب آلية التنمية النظيفة (Clean Development Mechanism – CDM) إبان مرحلة بروتوكول كيوتو. وقد اعتبر منظمو المؤتمر الأذريون أن هذا الاتفاق من شأنه توفير نحو 250 مليار دولار من الأموال التي لن تضطر الدول إلى إنفاقها بشكل مباشر كل عام تنفيذاً لخططها المناخية، وذلك بفضل العائدات من تداول أرصدة الكربون بموجب المادة السادسة من اتفاق باريس للمناخ.
ألقت الهند خطاباً قوياً بعد أن قلصت الدول الغربية حزمة التمويل المالية للهدف الجديد لتمويل المناخ، من 1.3 تريليون دولار إلى 300 مليون دولار (عملياً 200 مليون دولار بعد استبعاد ال 100 مليون دولار المقررة في 2009)، وذلك تعبيراً عن فشل الدول الغنية في الالتزام بواجبها المقرر في وثائق المناخ (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، واتفاق باريس للمناخ وقبلهما بروتوكول كيوتو وقرارات مؤتمرات الأطراف المتعاقبة)، في مساعدة الجنوب العالمي على التعامل مع آثار وتداعيات تغير المناخ، لاسيما خفض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية. فقد ألقت شاندني راينا المستشارة في وزارة الشؤون الاقتصادية الهندية، بياناً فجر الأحد (24 نوفمبر 2024) في الجلسة الختامية للمؤتمر، وُصف ب«الجريء» و«التاريخي»، رفضت فيه باسم بلادها الهند، الموافقة المرتجلة على هدف التمويل الجديد للفترة 2026-2035، معتبِرة، أنه لم يتم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وإنه «يتم دفعنا نحن في الجنوب العالمي إلى الانتقال إلى مسارات خالية من الكربون حتى على حساب نمونا، ويتم فرض تدابير أخرى من قبل الدول المتقدمة لجعل هذا الانتقال عسيراً».
وعن الصفقة التي تم التوصل إليها بشق الأنفس بشأن تمويل المناخ قالت: «هذا مبلغ زهيد وليس شيئاً من شأنه تمكين العمل المناخي الحقيقي». وكانت الهند قد قادت المشاورات في غرف المفاوضات في باكو، حول الهدف الكمي الجماعي الجديد من وجهة نظر الجنوب العالمي. لذا فقد حذر المتابعون الغربيون للمؤتمر من أن معارضة الهند للهدف المتفق عليه تنطوي على إشارة بأن البلدان النامية قد تقدم خططاً مناخية وطنية ضعيفة (NDCs) في العام الجديد (2025). الانتقادات للصفقة المالية الهزيلة، لم تقتصر على الهند، وإنما شملت عدداً كبيراً من الدول النامية، على نحو ما أكده وزير البيئة الكولومبي، الذي قال: «يجب أن يكون هذا الاتفاق الهزيل بمثابة جرس إنذار لإعادة التفكير في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، وما إذا كانت لا تزال حقا توفر أرضية مناسبة للعمل المناخي التعاوني؟».
لم تتمكن الحكومات في مجموعة «أوروبا الغربية» من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن مكان عقد قمة المناخ (COP31) في عام 2026. وتتنافس تركيا وأستراليا على استضافة القمة. وفشل اجتماع وزيري المناخ في البلدين في أذربيجان، في تراجع أي منهما لصالح الآخر. وتم تأجيل اتخاذ القرار بهذا الشأن إلى اجتماعات بون السنوية في يونيو 2025، أو إلى مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) الذي سيعقد من 10 إلى 21 نوفمبر 2025، في بيليم، في قلب الأمازون في البرازيل.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق