د. لويس حبيقة*
المفروض على السلطات الرسمية تقييم بعض الجهود الأساسية ضماناً لنجاح السياسات العامة وتخفيفاً للخسائر. يجب التنبه للتأثيرات غير المباشرة وغير المحسوبة التي تنتج عن تنفيذ القرارات. هنالك دائماً تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية لأي سياسات عامة، وبالتالي احتسابها يكون مهما. من الأمثلة بناء مستشفى في منطقة ما، يرفع أسعار العقارات المجاورة. بناء معمل صناعي ملوث يسهم في تخفيض أسعار العقارات المجاورة بسبب ضعف الطلب. يجب التنبه أيضاً إلى كيفية اتخاذ القرارات، وبالتالي من الممكن أن تتخذ قرارات متهورة أو في غاية السوء. هذه تصرفات يجب أخذها في الحسبان لأنها تؤثر في نوعية القرارات وكلفتها. لا يتصرف الإنسان، مسؤولاً أو عادياً، دائماً بعقلانية وبالتالي لسوء التصرف وثم التنفيذ كلفة إضافية على المجتمع والموازنات العامة.
هنالك مجتمعات عدة تفضل تعزيز أوضاع اليوم على أوضاع المستقبل، وهذا قصير النظر، إذ إن المنطق يقول بالادخار اليوم والإنفاق مستقبلاً حماية للأجيال القادمة. المسؤولون الأذكياء ينفقون اليوم بمنطق، أي على الاستثمارات الجيدة في البنيتين التحتية والفوقية لبناء اقتصادات مستقبلية قوية تنتج مستوى معيشياً أعلى ونوعية حياة أفضل. لمواجهة هذه الأزمات، للتحضير لمستقبل أفضل في مجتمعات تحاول الحفاظ على قيمها الجيدة لا بد من تعزيز الأمن والأمان الداخليين لمواجهة الأزمات، أهمها اليوم الناتجة عن النازحين واللاجئين والمهاجرين. هنالك أزمة إنسانية غير مسبوقة ناتجة عن السياسات الخاطئة التي طبقت دولياً على مدى عقود.
حربا اليوم الكبيرتان في أوكرانيا وغزة تؤثران كثيراً ليس فقط في الإنسانية، وإنما أيضاً في شرذمة الاقتصاد الدولي بعد سنوات طويلة من بناء العولمة والتواصل وفتح الأسواق برعاية المؤسسات الدولية. أكثرية الوقائع الحالية تصب في خانة إضعاف الاقتصادات عبر تخفيف التجارة الدولية، ورفع المخاطر الأمنية التي تواجه التواصل الاقتصادي. هنالك شعور دولي بأن ما تم بناؤه خلال عقود طويلة ماضية يتم ضربه. بسبب الأزمات المالية والمصرفية، وتفشي نظام العقوبات عن حق أو ظلم، يتفكك النظام العالمي، ما يعيدنا عقوداً إلى الوراء. أسهمت العولمة في ضرب التضخم عبر فتح الأسواق ووضع قواعد تبادل منفتحة. يتحقق العكس اليوم أي أن شرذمة الاقتصاد الدولي ستضيق الأسواق ويعيدنا إلى التضخم البنيوي القوي.
يتحول النظام الاقتصادي العالمي إلى نظام يعتمد على الطاقة النظيفة بدءاً من الشمسية إلى المائية والحرارية والهوائية وربما النووية. للطاقة النظيفة فوائد مناخية واضحة ولها أيضاً فوائد على صحة الإنسان واستمرارية الإنتاج والأمان الاجتماعي. ما يطبق اليوم من سياسات حمائية صناعية يعرقل التواصل وسيكون له كلفة باهظة ستظهر في نسب النمو المستقبلية. هنالك تغيير واضح في أنظمة الإنتاج وسلاسل الإمداد تبتعد عن آسيا أكثر فأكثر على الرغم من كلفتها المنخفضة وجودة سلعها. من النتائج ارتفاع كلفة التأمين، وبالتالي الأسعار ما يضر بمعيشة المواطن. في التكنولوجيا هنالك ضرورة للاستثمار في حماية المعلومات ومنع خرق أجهزة الإنترنت كما يحصل في المطارات.
* كاتب لبناني
0 تعليق