مقامرة ميلي.. وصندوق النقد - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

جون تامني*

«لا ينفد مال أي فرد أو شركة أو دولة على الإطلاق، إن ما ينفد من هذه المكونات الثلاثة هو ثقة المستثمرين». تتكرر هذه المقولة الحقيقية بشكل مستمر في ضوء تقرير إخباري حديث عن خافيير ميلي، رئيس الأرجنتين. تقريرٌ أشار إلى ما هو معروف جيداً، وهو أن الرئيس دونالد ترامب من أشد المعجبين بميلي، وبأن الأخير يعتقد بشكل راسخ أن طريق الأرجنتين للعودة إلى الرخاء أساسه حكومة تفرض الضرائب، وتنفق، وتنظم، وتفرض التعريفات الجمركية، وتخفض قيمة العملة أكثر.
ومؤخراً، نشر موظفو صندوق النقد تقييماً لبرنامج الأرجنتين الذي بلغ في الأصل إجمالاً 44 مليار دولار، وهو ثاني أكبر برنامج للصندوق في التاريخ بعد اتفاق أبرمه مع الأرجنتين أيضاً في عام 2018. ووفقاً لقواعد الصندوق، لا يمكن لدولة تتمتع «بوصول استثنائي» إلى أموال صندوق النقد مثل برنامج الأرجنتين أن تطلب برنامجاً جديداً حتى ينتهي ما يُسمى بالتقييم اللاحق للبرنامج السابق.
إن ميلي ليبرالي بالطبع، وبصفتــــه كذلك فهـــو يدرك أن الاقتصاد ليس أكثر من مجموعة من الأفراد. وبأن الاقتصادات الأساسية لا يمـكن أن تتحسن إذا فُرضت عليها مزيد من الضرائب، وإذا أنفق المزيد من وقت العمل والجهد على اللوائح والجهات التنظيمية، أو إذا قُيدت القدرة على التبادل مع المنتجين الآخرين بالرسوم الجمركية، وخُفضت قيمة ثمار الإنتاج.
وكما قال الصحفي والخبير الاقتصادي الأمريكي هنري هازليت، «إن ما هو ضار أو كارثي للفرد يجب أن يكون ضاراً أو كارثياً بالقدر نفسه لمجموعة الأفراد الذين يشكلون أمة». وإذا طبقنا اقتباس هازليت على الضرائب واللوائح والتعريفات الجمركية وخفض قيمة العملة، فلن نخسر أبداً نقاشاً أو حواراً اقتصادياً.
إن الأمر المحبط بعض الشيء هو أن ميلي يعرف كل ما سبق، وأكثر من ذلك. ولهذا السبب كان من المخيب للآمال أن نقرأ أنه يأمل في استخدام علاقته بترامب للحصول على مليارات الدولارات في تمويل جديد من صندوق النقد الدولي.
دعك من السجل السلبي لصندوق النقد الدولي في تقديم النصائح، فما يثير خيبة الأمل في رغبة ميلي الحصول على دعم صندوق النقد الدولي هو أنها تدوس في المقام الأول على الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن أي دولة تفعل ما تفعله الأرجنتين لن تحتاج أبداً إلى قرض من صندوق النقد الدولي. وإذا كنت لا تزال في حيرة من أمرك، عُد إلى السطر الأول من مقال الرأي هذا. وبعد ذلك تابع.
إن الأفراد والشركات والدول التي تفعل الشيء الصحيح ليست بحاجة إلى القلق بشأن كسب ود أي شخص للحصول على التمويل لأي شيء، وذلك ببساطة لأن الأسواق رائعة، والأسواق تكافئ الحكماء.
ولا شك أن عدداً ليس بالقليل من الليبراليين والمحافظين يزعمون في الوقت الحاضر أن اقتراض الحكومة يرتبط تلقائياً بالتضخم (وهذا التلميح يشير إلى غباء السوق الملحوظ)، لكن الواقع يؤكد أن أولئك الذين يعملون بطريقة صديقة للسوق يجعلون العالم يصطف لشراء ديونهم. بعبارة أخرى، لا تحتاج الأرجنتين إلى صندوق النقد الدولي إذا كانت تفعل بالضبط ما يقول رئيسها في خطاباته إنها تفعله.
وإذا ما شرحنا الأمر بمزيد من الوضوح، فإن سعي ميلي للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي لن يكون مجرد فعل من جانب الليبراليين لشيء يتعارض تمام التناقض مع ليبراليته المزعومة، بل إنه يعني ضمناً أن الإصلاحات التي يشرف عليها ليست فعّالة بالقدر الذي يظنه الكثير من أنصاره، وهو ما يلمح إليه الرئيس الأرجنتيني.
والأسوأ من ذلك، وكما قيل مراراً وتكراراً، إنه لا وجود لما يسمى بالمال المجاني. وصندوق النقد الدولي ليس مختلفاً في هذا الصدد. ففي أخذه للمال من المؤسسة الأممية، سوف يكون ميلي ملزماً باتباع نصائح وتعليمات الصندوق، وبلاده بغنى عن ذلك.
وبدلاً من هذا، ينبغي لميلي أن يؤمن بما يفعله، فالحرية ستؤتي ثمارها في نهاية المطاف. وإذا حُررت الأرجنتين من القيود الاقتصادية، فيتعين على ميلي أن يمضي قدماً وهو على يقين من أن بلاده لن تحتاج إلى أموال صندوق النقد الدولي فحسب، بل ولن تقبلها أبداً لو عُرضت عليها بالمجّان.
*محرر ومستشار اقتصادي، ورئيس معهد «بارك فيو» الأمريكي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق