كُلفت ليز تراس برئاسة الحكومة البريطانية في 2022 وسقطت حكومتها بعد 45 يوماً وهذا ما لم يحصل سابقاً. رفضت الأسواق المالية برنامجها أي تخفيض الضرائب على الأغنياء وعدم رفعها على الشركات الكبيرة. سبّب ذلك ارتفاعاً في الفوائد وسقوطاً للجنيه الإسترليني مما فرض تراجعاً مذلّاً عن بعض جوانب السياسات. لم يكن برنامج ليز تراس اختراعاً جديداً، بل طبقت ما قرره سابقاً الرئيس ريغان في الولايات المتحدة ورئيسة الوزراء تاتشر في بريطانيا وكانت النتائج إيجابية. برنامج واحد يعطي نتائج معاكسة في ظروف مختلفة. لماذا؟
رفض البريطانيون برنامج الحكومة خوفاً من أن تصبح بريطانيا كبعض الاقتصادات الناشئة أي اقتصادات تمول الإنفاق العام ليس من الإيرادات وإنما من الإصدارات النقدية من قبل المصرف المركزي. سبّب هذا الشعور العام ضغطاً قوياً على الأسواق النقدية مما فرض على المصرف المركزي رفع الفوائد لدعم الإسترليني. في نفس الوقت ارتفعت تكلفة الاقتراض وبالتالي تراجع الاقتصاد. جعلت هذه الوقائع البرنامج الاقتصادي مستحيل التطبيق في ظروف سياسية معاكسة. رفض الشعب برنامج رئيسة الحكومة وبالتالي كان الفشل حتمياً والاستقالة مؤكدة.
لم يعد يفيد تغيير السياسات عندما يفقد السياسي ثقة الشعب التي لا تعطى مرتين فكان الفشل مؤكداً. هل كان مصدر سقوط الثقة مالياً؟ تشير الأرقام إلى أن تكلفة برنامج الحكومة لم تكن لتتعدى ال 1% من الناتج. إذاً ما السبب؟ سوء تقدير لعمق الاعتراض الشعبي تجاه تخفيض الضرائب على الأغنياء وعدم مراعاة حاجات الفقراء. لم تكن الأرقام سبب سقوط حكومة تراس، بل تراكم الأخطاء السياسية وسوء التخاطب مع الشعب في أوقات دقيقة.
أعطت سياسات الحكومة انطباعاً للمواطنين بأن الفريق الحاكم بدأ من رئيسة الوزراء غير كفؤ وبعيداً عن الواقع وعما يعانيه المواطن. كان المحتوى غير مناسب وكان التوقيت خاطئاً. كانت النتيجة السقوط. أما تخفيض الضرائب على الأغنياء فأعطى انطباعاً أن ما يهم الحكومة هو تأييد الأغنياء لها بالرغم من أنهم لا يعانون كالفقراء. أعطى ذلك انطباعاً بأن الفقراء غير مهمين بالرغم من أنهم القاعدة الشعبية الأوسع التي تعاني. لا شك أن رفع الفوائد على الجميع لحماية النقد أثر سلباً على الاستثمارات وعلى تكلفة المعيشة وبالتالي أضر بالاقتصاد. معارضة سياسات تراس لم تكن مالية اقتصادية، إنما أهم من ذلك بكثير أي عائدة للثقة ولسوء التقدير كما لعدم فهمها لأولويات الشعب النفسية قبل المعيشية.
فسرت مسيرتها القصيرة بأنها لم تحترم مطالب الشعب الذي يعاني مما سبّب سقوطها. الدرس الذي أعطي يجب أن يكون مهماً لكل الحكومات، أي ضرورة تقدير وفهم وتنفيذ كل ما يريده الرأي العام في كل الظروف. يجب أن يتم ذلك بالتفاهم مع الشعب تقديراً لمشاعره. لم يكن ذلك متاحاً بعد أن فقدت الحكومة ثقة المواطن. لم تفقد تراس سلطتها الحكومية فقط، بل سقطت في الانتخابات النيابية الأخيرة التي أوصلت حزب العمال إلى الحكم.
0 تعليق