استضافت مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية قمة مجموعة الدول العشرين يومي الأحد والاثنين (17 – 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري) وسط أجواء سياسية مشحونة سيطرت عليها التحديات المحتملة جراء عودة دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة مجدداً في يناير/ كانون الثاني المقبل، بكل ما تعنيه تلك العودة من عقبات أمام المعاني التي تأسست من أجلها تلك المجموعة التي تضم الدول الأغنى في العالم.
كان الشغل الشاغل لهذه الدول وزعاماتها وهي تدير حواراتها في هذه القمة هو ما جدوى القرارات التي سيتم اتخاذها طالما أنها ستبقى رهينة للمواقف التي يفترض أن يتبناها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عندما يتولى السلطة الذي خاض حملته الانتخابية تحت شعار «أمريكا أولاً» ووعود ب «أن تعود أمريكا عظيمة مجدداً»، ووعود بتقليص الدور الأمريكي في الخارج، وفرض تعريفات جمركية واسعة على الواردات من دول العالم خاصة الصين وأوروبا، ومراجعة التحالفات العسكرية والاقتصادية الأمريكية.
تعهدات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي ذهب ليشارك، للمرة الأخيرة، في قمة الدول العشرين، في «مشاركة وداعية» لم تغير كثيراً من تلك التخوفات، رغم أن بايدن كان مفرطاً في سخائه ووعوده، حيث سبقت مشاركته تأكيدات أمريكية، عالية المستوى، أن بايدن سيحمل رسالة إلى هذه القمة تتضمن التأكيد على أن الولايات المتحدة «شريك موثوق به»، وأنها ستحاول الحفاظ على العمل الذي قام به لبناء تحالفات إقليمية مع دول مثل اليابان واستراليا والمملكة المتحدة، وأنه سيعلن، وفقاً لنائب مستشار الأمن القومي الأمريكي «تعهداً تاريخياً» بتطوير صندوق النقد الدولي من أجل تنمية أفقر دول العالم، وأنه سيطلق «شراكة ثنائية للطاقة النظيفة» مع البرازيل عندما يلتقي الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا داسيلفا.
هذه الهواجس «المخاوف» أثارت عند بعض قادة الدول المشاركة في القمة «روح التحدي» وتأكيد المعاني المهمة التي تأسست من أجلها تلك المجموعة، وخاصة «روح المسؤولية الجماعية» للنهوض بالنظام العالمي وتطوير المجتمعات الفقيرة، وكان على رأس هؤلاء القادة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذي تترأس بلاده هذه الدورة لمجموعة دول العشرين الذي عمل جاهداً على قيادة القمة نحو خيار تحقيق «إنجازات تاريخية» دون تعويل مفرط على الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في دعم أو إعاقة هذه الإنجازات، في إشارة إلى ما تمثله عودة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة من توقعات سلبية على أداء المجموعة، ورداً على ما كان يسيطر على أجواء القمة من ميل بعض الدول المشاركة لعدم إنجاز قضايا مع بايدن انتظاراً لمجيء ترامب، ومخاوف من موافقة الدول الأوروبية «ذات الحكومات اليمينية» على توجهات وإملاءات ترامب ما قد يؤدي إلى تفتيت كتلة «الاتحاد الأوروبي» الذي كان يتحرك تقليدياً بصفته «كياناً موحداً»، وما ورد من تحذير على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن ترامب «سيستخدم سياسات التجارة لدق إسفين بين الصين وأوروبا».
فقد سعى الرئيس البرازيلي «لولا داسيلفا» إلى توجيه دفة المناقشات حول المسائل الاجتماعية التي تعد في صلب «نهجه اليساري»، ونجح في حشد دعم القادة لمقترح يقضي بفرض المزيد من الضرائب على أكبر الأثرياء، ونجحت البرازيل، رغم ضغوط مارسها رئيس الأرجنتين اليميني القريب من دونالد ترامب لعرقلة صدور البيان الختامي للقمة، وخاصة بند زيادة تدخل الدول لمكافحة الجوع، في تشكيل جدول أعمال القمة، وإدراج أولويات رئيسية من رئاستها في الوثيقة الختامية للقمة، بما في ذلك مكافحة الجوع وتغير المناخ إلى جانب جهود إصلاحات المنظمات الدولية.
وجاء البيان الختامي ليؤكد أن «الجوع لا ينجم عن نقص الموارد والمعرفة، بل ينجم، في الأساس، عن«نقص الإرادة السياسية لضمان وصول الغذاء إلى الجميع».
من هنا جاءت قفزة لولا داسيلفا إلى الأمام بالإعلان عن تشكيل«التحالف العالمي ضد الجوع والفقر»، متضمناً مقولته الشهيرة بأن«الجوع والفقر ليسا نتيجة للندرة أو الظواهر الطبيعية «بل إنهما» نتيجة لقرارات سياسية تؤدي إلى استبعاد جزء كبير من الإنسانية».
إلى جانب ذلك جاء البيان الختامي للقمة متضمناً أنها«متحدة في دعم وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان، ودعم جهود التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم في أوكرانيا»، ما يظهر قدرة المجموعة على تحدي الهيمنة الأمريكية، لكن يبقى هذا الأمر هو أهم تحدياتها.
0 تعليق