في الحاجة إلى الفلسفة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هل باتت الفلسفة مثل أي نشاط بشري هامشي، حتى نحتفل بها في المناسبات وحسب؟. إننا لم نعدْ نذكر الفلسفة إلا في اليوم العالمي المخصص لها في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، ونسينا أن فعل التفلسف ضروري ليس لتحصين العقل وحسب، ولكن للذائقة الجمالية والصحة النفسية أيضاً، وفي فهم العالم وتكوين رؤى واضحة عنه.
قبل عقود قليلة كانت الفلسفة، وبعكس ما يصفها البعض بأنها كانت دائماً نتاجاً نخبوياً، تتجول بيننا، كان هناك عالم مؤسس على القطبية الثنائية، وكل طرف يستمدّ رؤاه وأفكاره من بناء فلسفي متكامل الأركان، ولم يكن هذا البناء يظهر في السياسة وحدها، بل أسهمت دور النشر والسينما والمسرح في رواج الفلسفة حتى بين البسطاء، يرددون كلمات عن اليسار والوجودية.. إلخ، وفي النقد الأدبي والثقافي كانت هناك تيارات تمتح من مذاهب فلسفية راسخة، وحتى الرسم والنحت، وهناك كتابات بسطت الفلسفة وحاولت ربطها بإنسان العصر، فكنا نقرأ عن علاقة الوجودية مثلاً بالاغتراب الذي يعاني منه إنسان القرن العشرين، بمعنى أن الفلسفة لم تكن يوماً أكاديمية ولكنها كانت متاحة للجميع.
الفلسفة حقل فكري لا يتّسم بالتقادم، بمعنى أن كل نظرية جديدة وإن كانت تعارض ما سبقها، فإنها لا تلغيها، وتلك ميزة ربما لا نجدها في حقل آخر، بمعنى أننا نعيش في مناخ لا ينتج فلسفة ولا يحث عليها أو يشجع على التعاطي معها، ولكن وفقاً لخاصية عدم التقادم ربما يفكر أحدهم في استلهام فلسفة قديمة وإعادة بث الروح فيها، ولكن ما سيعترضه ببساطة أن روح العصر لا ترفض الفلسفة وحسب ولكنها تتناقض معها، فالفلسفة فعل تأمل وتفكير وطرح سؤال، وروح العصر سريعة ومسطحة وتسعى وراء الجاهز والمُعلَّب والمُسلَّع.
خاصية أخرى للفلسفة تتناقض مع روح العصر، ونعني بها ذلك التنوع المدهش الذي تتميز به، فلكل ثقافة فلسفتها الخاصة التي يؤدي تنشيطها عبر إعادة إحيائها إلى إعادة تقييم أبرز سمة لعصرنا وتتمثل في الأحادية، فبرغم أن العولمة تدّعي أنها تقبل التنوع والتعدد وتتسع لكل الأفكار، فإن هذا الادعاء لا يثبت أمام تفعيل العقل الفلسفي الناقد، فالبشر أصبحوا مستنسخين من بعضهم، في أفكارهم ورؤاهم للعالم وسلوكياتهم وحتى ملابسهم وطرائق تناولهم للطعام، والفلسفة وحدها بإمكانها إنقاذهم من هذا العالم المسخ.
خاصية ثالثة تميّز الفلسفة، وتتمثل في الوضوح، فأنْ تؤمن بفكرة فلسفية معناه أن موقفك واضح تجاه الكثير من القضايا التي تحيط بك، وهو ما يتناقض بدوره مع روح العصر، فالتكنولوجيا الحديثة وتوابعها مؤسسة على نقيض ذلك تماماً، حيث تقوم على إعلاء الحجة الأضعف والجدل المثمر وغير الخلّاق، وهي حالة أقرب إلى السفسطة بكل سلبياتها ومعارفها الكاذبة.
نحن بحاجة إلى الفلسفة، سواء كانت عبر أطروحات جديدة أو إعادة استلهام مذاهب قديمة، فهي النشاط الأساسي وربما الوحيد الذي سيحافظ على وجودنا نفسه في مستقبل لا نعلم على وجه اليقين ماذا سيكون وضع الإنسان فيه.

أخبار ذات صلة

0 تعليق