قطاع غزة بمساحته التي لا تتعدى واحد في المئة من مساحة فلسطين أي ما يقارب ال340 كيلو متراً مربعاً ويعيش عليه أكثر من مليوني نسمة بما فيها المساحة المخصصة للبناء والزراعة، أي إن في غزة هناك مناطق يعيش فيها أكثر من مئة ألف نسمة في الكيلومتر الواحد. قطاع غزة هذا تحول إلى أسطورة تاريخيه تحكي قصة نضال شعب يقاوم من أجل حريته، وحكاية عالم فقد إنسانيته.
هذه المنطقة التي شهدت أربعة حروب راح ضحيتها الآلاف من المدنيين ودمرت بينتها التحتية التي أصلاً هي بنية منهارة، وتعيش حالة حصار مستمر من قبل إسرائيل التي تتحكم في كل منافذها منذ 17 عاماً، وتعاني نقصاً في كل مقومات الحياة من كهرباء وماء وصحه وتعليم، ورغم كل ذلك تقدم اليوم أنموذجاً في الصمود والتحدي. لم يعد سكانها وأطفالها يخافون من صوت الطائرات والصواريخ الإسرائيلية التي لا تغادر القطاع.
والسؤال: هل تحولت غزة اليوم إلى أسطورة وقصة تحكى للأجيال؟ أسطورة نضال وصمود وأسطورة ظلم الإنسانية، وأسطورة غياب العدالة الدولية، وأسطورة حرب الكل؟ تساؤلات كثيره تثار، والسؤال التقليدي إلى أين غزة ذاهبة؟ وما هي خياراتها؟ وما مستقبل أبنائها وشبابها وأطفالها؟ وهل تستطيع حماس أن تنفرد بحكم غزة؟ وهل من مستقبل لغزة من دون بقية ألأرض والشعب الفلسطيني؟ وقبل محاولة الإجابة السريعة على هذه التساؤلات نثير سؤالاً مهماً: ما هو وضع غزة في القانون الدولي؟ هل تعدّ محتلة؟ وهل ما زالت إسرائيل مسؤولة كسلطة احتلال؟
الإجابة مهمة لأنها تحدد مستقبل غزة ومسؤولية إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية.
وهنا قد يبرز أكثر من رأي، أحدها تؤيده إسرائيل بالقول: إنها ليست مسؤولة عن غزة، وبانسحابها منها عام 2005 انسحاباً أحادياً أخلت مسؤوليتها عنها، وهذا الرأي غير صحيح لأنه يرفع عن إسرائيل المسؤولية عن كل حروبها وحصارها لغزة، بل إن هذا الرأي يذهب أبعد من ذلك ويحمّل حماس والمقاومة كل المسؤولية عن الحرب والحصار وعما تعانيه غزة وسكانها من مشاكل اقتصادية واجتماعية وفقر وبطالة، وإن حماس هي المسؤولة مسؤولية كاملة. والرأي الآخر يرى عكس ذلك، إذ إن إسرائيل مسؤولة كسلطة ودولة احتلال، وتقع عليها كل المسؤولية وفقاً للقانون الدولي واتفاقات لاهاى 1899 إزاء سكان القطاع، وهي معنية بتوفير كل الخدمات لهم. وهذا الرأي هو الأكثر منطقية وقبولاً قانونياً انطلاقاً من فرضية أساسية وهي أن غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وحيث إن الاحتلال لا يجزأ، فإسرائيل تعدّ مسؤولة.
والسؤال ثانية، وماذا بالنسبة للحروب ومن هو المسؤول عنها؟ المسؤول عنها إسرائيل أساساً بسب الحصار المفروض على القطاع، لكن في الوقت ذاته طالما أن هناك سلطة مسؤولة في غزة تمثلها حماس فهنا المسؤولية تقتضي ضرورة التوصل لاتفاق تهدئه شاملة في إطار السلطة الفلسطينية العامة. وهذه التهدئة هي التي تحكم العلاقة. بعيداً عن هذين الرأيين وحجج كل منهما، فلا شك أن العلاقة بين غزة وإسرائيل شائكة ولا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، ولا يمكن حصر العلاقة في إطار منفصل عن الكل الفلسطيني.
غزة وعلى مدار تاريخها تحكي وتجسد كل القضية الفلسطينية. فغزة بعد النكبة استقبلت الآلاف من اللاجئين لتجسد مخيماتها قضية اللاجئين ولتصبح مركزاً لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهذا ما يفسر لنا اليوم لماذا إسرائيل تحاول طمس كل المخيمات فيها. وفى غزة نشأت حكومة عموم فلسطين، وبقيت غزة وفي كل مراحل المأساة تعبر عن المعاناة والحصار والاحتلال.
إن هذه الحرب التي فشلت حتى الآن في اقتلاع وتهجير سكان غزة وكل قصة فيها تحكي صمود أهلها وتمسكهم بالأرض والبقاء. وفى جانب آخر ومن مظاهر أسطورة غزة، أنها حركت كل الشعوب الرافضة للظلم والاحتلال، وكشفت ضعف الشرعية الدولية أمام قوة السلاح الذي تمارسه إسرائيل، كشفت عيوب النظام الدولي.
ولعل من أبرز صور أسطورة هذا الجزء الصغير والأصغر في العالم، أنه عرّى إسرائيل من ديموقراطيتها وكشف الجانب المتشدد والرافض للحياة المشتركة والتعايش والسلام.
ويبقى للأسطورة صورة أخرى، وهي غزة ما بعد الحرب، وبناء غزة الجديدة التي قد تذكرنا بالنموذج الألماني والياباني، غزة في حاجة إلى كتابة أسطورة جديدة ليس في إعادة إعمارها ولكن في إنسانها الجديد القادر على مواصلة الحياة وحمل قيم الإنسانية والقفز على كل ما خلفته الحرب من قيم الكراهية والحقد والثأر. والسؤال أخيراً من يقف مع غزة لبناء هذا النموذج الأسطوري الجديد؟
0 تعليق