مناجم القصدير وتحديات التوريد - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أندي هوم *

لقد مرّ أكثر من عام على توقف إنتاج منجم «مان ماو» للقصدير في ولاية «وا» في ميانمار، أحد أكبر مصادر المعدن الاستراتيجي في العالم. ورغم أن المخزونات الضخمة للمواد الخام والقصدير المكرر جنّبت السوق حتى الآن التأثير الكامل لهذا الإغلاق، يبدو أن الأمور بدأت تتغير اليوم.
ومُذ أمرت سلطات وا، التي تتمتع بحكم ذاتي مستقل وتسيطر على معظم موارد القصدير في ميانمار، بتعليق جميع أنشطة التعدين والمعالجة في أغسطس/آب 2023، توقع معظم المحللين والمسؤولين هناك أن يستمر تأثير العرض لبضعة أشهر فقط. ورغم السماح بإعادة فتح بعض مناجم القصدير الأصغر حجماً في الولاية بهدف تصدير المخزونات المستخرجة بالفعل، لكن الإنتاج لا يزال معلقاً.
وفي الوقت الذي تستمر فيه «تركيزات القصدير» من ميانمار في التدفق عبر الحدود لتغذية مصاهر الصين، تواصل الأحجام انخفاضها الحاد في الأشهر الأخيرة، ما يسلط الضوء على نقص النشاط في أكبر منجم في البلاد. وتُعد مناجم ولاية وا ثقباً أسود من الناحية الإحصائية لبيانات إمدادات القصدير العالمية. إذ لا توجد أرقام رسمية للإنتاج، ولا يمكن تخمين ذلك إلا من كمية المواد الخام التي تمر عبر منافذ الجمارك الصينية. وتُقدر رابطة القصدير الدولية أن ميانمار أنتجت حوالي 40 ألف طن متري من القصدير في عام 2022، حيث مثل منجم «مان ماو» نحو 70% من ذلك. وهذا يجعل وا ثالث أكبر منتج للقصدير في العالم، بعد الصين وإندونيسيا، مع 7% إلى 8% من إمدادات المناجم العالمية.
بدورها، قالت السلطات إن تعليق الأنشطة كان ضرورياً للسماح بإجراء تدقيق لقطاع القصدير، الذي نما بشكل كبير عما بدأ كعمليات حرفية غير رسمية في بداية العقد الماضي. بالطبع، لا تختلف ولاية وا عن أي دولة أخرى غنية بالموارد تتطلع إلى فرض سيطرة أكثر صرامة على أصولها. لكن من غير الواضح إلى متى سيستمر هذا التدقيق؟ فقد أصبح تأثير تعليق الإنتاج، الذي تجاوز العام حتى الآن، واضحاً بشكل متزايد، وخاصة في تدفقات الواردات الصينية.
فقد استوردت الصين 100 ألف طن من مركزات القصدير من ميانمار في الشهور العشرة التي تلت بدء التدقيق في أغسطس 2023، مقارنة ب 173 ألف طن للعشرة شهور التي سبقت ذاك التاريخ. وتباطأت تدفقات التجارة بين البلدين إلى 11300 طن فقط في الربع الثاني من هذا العام، مقارنة ب 43600 طن في الربع الأول، ما يشير إلى استنفاد المخزونات المستخرجة بالفعل.
ولم يستطع المنتجون الصينيون إلى حد كبير إيجاد مصادر بديلة كافية لسد فجوة العرض، رغم زيادة الواردات من أستراليا وبوليفيا ونيجيريا. وقد أظهرت بيانات مجموعة بورصة لندن للمعادن، أن إجمالي واردات المواد الخام من القصدير انخفضت بنسبة 26% على أساس سنوي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.
ونتيجة لذلك، بدأت المصاهر الصينية في تعديل جداول الصيانة وخطط الإنتاج للتعويض. حيث أغلقت شركة «يونان تين»، أكبر منتج للقصدير المكرر في العالم، مصهرها في جيجو لمدة 45 يوماً للصيانة في نهاية أغسطس. وبحسب مزود البيانات المحلي «سوق شنغهاي للمعادن»، خفّضت مصاهر أخرى في مقاطعتي يونان وجيانغشي إنتاجها بسبب انحسار المخزونات. لأنه بعد تسارع واردات القصدير المكرر خلال الربع الرابع من عام 2023، وارتفاع مخزونات بورصة شنغهاي للعقود الآجلة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 17818 طناً في مايو الفائت، انخفض مخزون البورصة المسجل منذ ذلك الحين إلى 9499 طناً. ونظراً لقيود الإنتاج المحلي بسبب نقص المواد الخام المتزايد، فمن المرجح أن يستمر الاتجاه الهبوطي للأشهر القليلة المقبلة على الأقل.
في المقابل، انخفضت مخزونات القصدير في بورصة لندن للمعادن بنسبة 39% إلى 4725 طناً منذ بداية العام، على الرغم من أنه حتى نهاية يوليو/ تموز كان هناك 2207 أطنان أخرى من المخزونات الظلية في مستودعات البورصة.
يُذكر أن سلسلة التوريد الغربية تأثرت بتباطؤ الشحنات الإندونيسية أكثر مما طالها من إغلاق منجم «مان ماو». حيث انخفضت الصادرات الإندونيسية للقصدير بنسبة 44% على أساس سنوي إلى 24600 طن في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب بسبب تأخيرات التصاريح في وقت مبكر من العام.
وفي السياق ذاته، نهضت مبيعات قطاع أشباه الموصلات، الوكيل المعتمد للحام القصدير، بعد ركود مطول لمدة عامين، ما ساعد في تفسير سبب ارتفاع المخزونات العالمية في النصف الأول من عام 2024. ولا يزال هامش القصدير يتفوق على كل المعادن الأخرى المتداولة في بورصة لندن للمعادن، فقد جرى تداول السلعة لمدة ثلاثة أشهر في البورصة عند 31770 دولاراً للطن الجمعة، بزيادة 25% عن بداية يناير. فيما بلغت مكاسب النحاس، صاحب المركز الثاني من حيث قوة الأداء، 8% فقط حتى الآن.
من الواضح أن سعر القصدير يحتوي على علاوة مخاطرة كبيرة وسوف يستمر في ذلك حتى تسمح سلطات ولاية وا بالعودة إلى عمليات الإنتاج الطبيعية. لكن، لا أحد يعلم متى سيحدث ذلك إلا مسؤولو الولاية نفسها، الذين يركزون ربما على أمور أخرى.
* كاتب متخصص في أسواق المعادن الصناعية (رويترز)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق