تواصلت مساء السبت في قصر الثقافة بالشارقة، فعاليات النسخة الـ18 من مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، بتقديم العرض الثاني «كتاب الأمنيات»، الذي أنتجته فرقة مسرح دبي الأهلي، من تأليف معتز بن احميد، وإخراج سالم التميمي.
أنجز العرض من طرف مجموعة من الممثلين، من بينهم سارة كشاب، وشهد غريبي، وحمدي حجيرة، وعبد العزيزي حبيب، وعبد الله صنقور، وليان المحلاوي، وكتب كلمات أغانيه باسل الشطي، وتتناول فكرته السبل الصحيحة لتحقيق الأمنيات، وكيف أن الرغبات الواقعية أقرب للتحقيق من تلك الخيالية، وما يمكن استغلاله في الخيال من أجل الإبداع والإمتاع، وبث الرسائل الهادفة.
تدور أحداث المسرحية حول الطفلة الحالمة ياسمينة، التي تعيش في عوالم التخيل والأحلام، في كنف أمها المنشغلة عنها كثيراً، وأصدقائها: ياسين، مفتول العضلات المندفع الذي يحب المغامرة، وسارة، النَّهِمة العاشقة لكل ما لَذّ من أنواع الأكل، وماهر، المجتهد الذي يهوى العلم ويحلم بأن يصبح مخترعاً، وجليلة، الحذرة التي تحاول دائماً أن تثبت أنها بطلة رغم خوفها الملازم لها.
وقد استطاع المخرج أن يوظف شخصياته ومجاميعه بما يسهم في إنجاح العرض المسرحي، فبدت حبكته قوية ومتماسكة، وتصاعد فيها الصراع بشكل سلس، وبأسلوب يوائم جمهور الأطفال، كما كان لتوظيف الأغاني الهادفة، وما يصاحبها من رقصات دور كبير في إيصال الرسالة التربوية للعرض.
* أحلام
تمضي ياسمينة في أحلام اليقظة، مستمتعة بقدرتها كطفلة على التخيل، ومشفقة على الكبار الذين لا يمكنهم الاستمتاع بالخيال مثل الأطفال، ويقضون الكثير من وقتهم في الجدية والقلق بسبب الانشغالات، وهو ما يجعل أمها تقول لها: «أنت دائما تعيشين في أحلام اليقظة، وتفكرين بصوت عالٍ، ربما ستصبحين مؤلفة يوماً ما».
ثم تقيم ياسمين حفلة خيالية لتوديع العطلة الصيفية، وتدعو إليها أصدقاءها، الذين يقدمون لها بعض الهدايا المتخيّلة، إلا أن ماهراً يفاجئهم بإخراج آلة الزمن التي يمكنها العودة بالإنسان إلى الوراء أو الذهاب به إلى المستقبل، وهكذا يوافقون على العودة إلى الماضي، وبالتحديد إلى بداية العطلة الصيفية، وحين يضغط ماهر على الآلة يظهرون في قصر مهجور، وبعد الارتباك من غرابة المكان، يكتشفون فيه بعض الأوراق، ويبدأون بقراءتها، ثم يظهر لهم حارس القصر، ويقول لهم: إن تلك الأوراق من كتاب عجيب، لا يكتب فيه شخص أمنية إلا وتحققت، وهكذا يكتب كل منهم أمنيته.
وبعد تحقُّق أمنياتهم تصبح ياسمينة أميرة جميلة، ويصبح ياسين ملكاً عظيماً، وتحصل سارة على الكثير من الأكل، ويصبح ماهر مخترعاً كبيراً، إلا أنهم يُسجنون في رغباتهم تلك، لأنها كانت أطماعاً شخصية، ويحدث بينهم صراع، حيث يحاول الملك ياسين السيطرة على الأميرة ياسمينة ويحاول ماهر التحكم فيهم جميعا بآلة اخترعها للتحكم في البشر، بينما تظل جليلة على حالها، لأنها رغبت فقط في أن تكون شجاعة وقوية كي تساعد الآخرين، وهو ما تنجح فيه فعلاً بمساعدة الفارس الذي كان يبدو مجرد كتلة مخيفة في القصر، حيث تخصلهم من سجن رغباتهم تلك، ويعيدهم ماهر بآلة الزمن إلى واقعهم.
وبعد أن تحكي ياسمينة إلى أمها تلك القصة الخيالية، تعدها بأن تستمع من الآن فصاعداً لحاكاياتها الجديدة، وتقترح عليها كتابة قصصها التي سيحبها الأطفال، لأن بها نصائح رائعة، وتصلح للتأليف كنص مسرحي بعنوان: «كتاب الأمينات».
* توظيف فني
نجح المخرج في توظيف الديكور الخاص بكل مشاهد المسرحية، فكانت غرفة ياسمينة الجميلة، في المشهد الأول، عاكسة لطبيعتها الحالمة، بسريرها، وجدرانها الملونة بالوردي والأبيض، واللوحات والرسومات المزينة لها، ومكتب المراجعة وأرفف الكتب، والنافذة التي ترمز إلى أن الظروف المحيطة بها تغري بإطلالتها على الخيال والأحلام، وكان مشهد القصر المهجور موحياً بكل ما يمثّله من غرابة، بِبَهْوه الكبير، وقصاصات الورق المعلقة على جدرانه المتهالكة، والكتلة المخيفة المغطاة بقماش أبيض مُغبَر، والتي تبدو في هيئة جسد بشري، والصندوق الخشبي الكبير، الذي سيُخرج منه حارس القصر لاحقاً ذلك الكتاب العجيب، بالإضافة إلى بقية المشاهد التي عكس ديكورها رغبة المخرج في تقديم الأحداث بشكل فني متقن، مثل الغرفة المملوءة بأصناف المأكولات الشهية تحقيقاً لرغبة سارة، والغرفة الإلكترونية المملوءة بالشاشات ولوحات التحكم تحقيقاً لرغبة ماهر، والقاعة الملكية بعرشها المذهّب وجدرانها المرصعة بالمجوهرات تحقيقاً لرغبة ياسمينة، وغيرها.
كما نجح في عدة جوانب فنية أخرى، كتوظيف الإضاءة، من خلال ألوان الضوء المختلفة من جهة، ودرجاته من جهة ثانية، عبر السطوع والخفوت، والوميض أحياناً، بحسب ما تتطلبه لحظات المشهد وطبيعته، وتوظيف المؤثرات الصوتية التي كانت تشدّ الجمهور إلى فقرات العرض، هذا الجمهور الذي أشركه المخرج في المسرحية حين نزل حارس القصر المهجور عن الخشبة ليسأل بعض الأطفال الحاضرين عن أمنياتهم.
*هدف ورسالة
لخصت أغنية الختام هدف المسرحية ورسالتها، حيث تقول في بدايتها: في عالم الخيال.. تُنسجُ الأوهام / ونحقق الأهداف.. من بؤرة الأحلام / لا نعرف الفشل.. وسلاحنا الأقلام / بالجهد والعمل.. نعلو في كل الحياة، وتختم بالقول: بالعزم والكفاح.. نقسو على الأخطار / رغما عن الظروف.. رغما عن الأعذار / راياتنا تسمو.. وتقارع الأقمار / وبعزم أمّتنا.. نعلو في كل مجال.
0 تعليق