الشارقة: جاكاتي الشيخ
تواصلت مساء أمس الأول الثلاثاء في قصر الثقافة في الشارقة فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته ال21، حيث شهد ثاني أيام المهرجان، أولى الأمسيات الشعرية، التي حفلت بروح التنوّع، وطافت القصيدة فيها بملامح متعددة، جابت مع منشديها دروب الإبداع، بمشاركة نخبة من الشعراء هم: د. راشد عيسى من الأردن، وشيخة المطيري من الإمارات، وجاسم العجه من العراق، وإبراهيم الوافي من السعودية، وإبراهيم الفهري من مالي، وموسى إبراهيمي من الجزائر، وقدّمها الإعلامي محمد المنصوري (المغرب).
حضر الأمسية عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، ومحمد البريكي مدير بيت الشعر، وعدد كبير من متذوقي الشعر تنوّع
تنوّعت القصائد بين الوجدانيات، والحنين إلى الماضي، والتغني بالأوطان، ففاضت الكلمات برجاء الأمس، وملمح الغد، سابحة في مخيّلات واسعة الآفاق، وبثراء روحي، وصلت بالذائقة الشعرية إلى أسمى مقامات القلوب.
استهل راشد عيسى الأمسية وقدم عدة نصوص، منها قصيدة تحمل عنوان «شبّاك الكناية»، تنقل فيها بين دروب حياته، مستذكراً عدداً من الخسارات، لكنه في الوقت نفسه لم يلتفت لها، حيث يقول:
ربحْتُ خساراتي فلَم ألتفتْ لها/ وحَسْبي من النفس الزكيّة ربْحُها
فلي وردةٌ في صخرة القلبِ لم يزلْ/ يطُوفُ على شَوْك التناهيد فَوْحُها
ولاذت بزُهْدِ الأقوياء منارتي/ فجاور أعناقَ الكواكبِ صَرْحُها
بدورها نقلت شيخة المطيري متذوقي الشعر إلى روح شعرية أنثوية، تلمّسوا عبرها عبق الماضي، من خلال عدة نصوص، منها قصيدة «الشاعر» التي تحكي فيها عن حال الشاعر قائلة:
تنزّل من ظل النخيل غناؤه/ فسار به المعنى وطاب حداؤُهُ
وأيقظ في الصحراء سبعاً من الرؤى/ فهاجر سرب الماء مذ كان ماؤُهُ
يمر على الذكرى ويقطف دمعها/ مواسمه: لون الرحيل.. بكاؤُهُ
حتى تقول:
على مهل الأيام تمضي حياتنا/ وتجري به ريح فيعلو نداؤُهُ
وحيداً سيمضي دون أي قوافل/ ويتبعه في السائرين رثاؤُه
وقرأت المطيري من قصيدتها «قلبها والمقهى»:
جالسٌ قرب قلبها مقهاهُ/ كالذي يجمع انتظار حصاهُ
ثمّ يبني بقسوة الصخر قلباً/ لوحيدٍ عناقه مأواهُ
أما إبراهيم الوافي، فانطلق بالمتلقين في لغة شعرية جمعت بين الأصالة والمعاصرة، بمفردات وجدانية وجمال شعري أخّاذ، وقرأ من قصيدة «في ظل أبي العلاء»:
وحيداً ورُحي لا مدَى لاغترابِها/ فكيف أطيل العمر في ظلّ بابِها
أسوس مع الخمسين ساعة خطوتي/ وأحتاط دهس الظلّ عند احتسابِها
أنا آخر المنفى وللشمس ما ترى/ أموت خريفياً كغيم غيابها
أنا الظلّ يلقي بي إلى آخر الصدى/ فتمحوني الأضواء عند انسحابها
وتلاه جاسم محمد جاسم، الذي راقص إيقاع القصيدة، وصدح بصوته القوي ولغته الشعرية الجزلة المملوءة بالتأويل، وقال من قصيدة مُطوّلة:
لمستُ الآن ما نقل الرُّواةُ/ خرافيان وجهك والحياةُ
رأيت على الرصيف بأم عيني/ رشاً يمشي فيشتبه المشاة
كأني في الممر رأيتُ ظبياً/ أليس الظبي مسكنه الفلاةُ
وهذي الناهبات العقلَ مني/ جآذر أم نخيل باسقاتُ؟
بدوره قرأ إبراهيم محمد الفهري حكاية الوطن في قصائده، ومن بينها قصيدة «سليل الرمل»، التي زخرت بالصيغ الشعرية المعبرة، حيث يقول فيها:
كلُّ من قاسموا الرحيل خُطاهُ/ غدرُوه وغادرُوا ما عداهُ
وحدهُ لا يزالُ يُغوي الصحارى/ مُنذُ أَسْلَافِهِ بِلحْنِ صَدَاهُ
وحدهُ ظَلَّ صامداً لا مصاباً/ بالحضارات أو مُريداً سواهُ
واختتم الأمسية موسى إبراهيمي بلمحات وجدانية من خيالات الشاعر المكدّسة في دواخله، لينقل الجمهور إلى العديد من محطات القلب، ويقول في قصيدة «معبر بحي القلب»:
الآن أَجْلِسُ عند حافّةِ فكرتي/ بين التّجاذُبِ واستواءِ الماءِ
بين انْبِجاسِ الكُنْهِ مِن شَطَطِ الأنا/ مِنْ بين مَنْ عبروا على معنائي
مُرّي بحيّ القلب ثمة معبرٌ/ للأغنيات وسيرة الأشياءِ
وفي ختام الأمسية، سلّم عبد الله العويس ومحمد القصير بحضور محمد البريكي، الشعراء المشاركين، ومقدّم الأمسية، شهادات تقديرية تكريماً لجهودهم الفكرية.
وبعد الأمسية الشعرية، حضر الجمهور حفل توقيع ديوان «كي أنسج الفجر» للشاعر المكرّم في هذه الدورة د. طلال الجنيبي.
0 تعليق