الشارقة: جاكاتي الشيخ
يبذل العديد من الفنانين الكثير من الجهد لإبراز القيمة الفنية للخط، فيغوصون في دراسته ويجتهدون في تنفيذ أعمالهم المنجزة به، ويقدموه في قوالب إبداعية، كتنوُّع أساليبه، بل يضيفون له بعض اللمسات التجديدية العصرية، مثل ما يقوم به الخطاط المصري الشاب علي ممدوح.
رغم كونه مصمّماً، ومحترفاً في الفوتوغرافيا، فإن ذلك لم يمنع علي ممدوح من مواصلة إبداعه في الخط العربي التقليدي، فهو يتميز بكونه متمرساً في هذا الفن الأصيل، وكذلك فن الزخرفة، وذلك ما تعكسه أعماله المُتقنة، فاستطاع أن يستحدث إضافات في تقاليد الخط، بأسلوب جديد في التراكيب، واستخدام الحبر المُلوّن والشفاف، وتنويع الأساليب الخطية، حيث لا يقتصر على الشائع منها بل يبرز جمالياته من خلال خطوط أخرى كما يبدو في هذه اللوحة.
استدعاء
اختار ممدوح أن يخط في لوحته نص «محمد صاحب المقام المحمود، صلى الله عليه وسلّم»، وهو نص مستوحى من الحديث الشريف الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: «من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، حلّت له شفاعتي يوم القيامة»، فهو نص يريد الخطاط من خلال مضمونه استدعاء هذا الحديث الشريف، والدعاء به، كما أمر رسولنا الكريم.
لأنه دعاء له بأن يجعله الله في المقام المحمود، وهو المقام الذي يقومه الرسول الكريم يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم، والذي ينال معه الوسيلة، التي لا تنبغي إلا لإنسان واحد.
وقد كتب اللوحة بخط الطغراء وهو في الأصل شارة تحمل اسم سلطان عثماني أو ما يُنعت به، حيث كانت تستخدم كخَتْم، أو توقيع، كما استخدمت أيضاً على بعض النقود الإسلامية والطوابع البريدية، فكان لكل حقبة زمنية أسلوب رسم خاص بها، وكان لها موظف خاص يعمل في ديوان الدولة يسمى بالطغرائي، ومع مرور الزمن صار الخطاطون يكتبون بها لوحاتهم، خاصة المعاصرون، باعتبارها أحد أنواع فن الخط العربي، وهو مزيج بين خطي الديواني والإجازة، من أهم خصائصه الأﺴﻠوبية كونه ﻴﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺎطﻊ واﻟﺘراﻛب ﺒﻴن اﻟﺤروف واﻟﻛﻠﻤﺎت، واﻻﺨﺘزاﻝ اﻟﺸﻛﻠﻲ ﻓﻲ ﺒﻨﻴﺔ اﻟﺤروف، بالإضافة إلى زﺨرﻓﺔ بعض اﻟﻔﻀﺎءات اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ واﻟﻤﻔﺘوﺤﺔ ﻓﻲ ﺘﻛوﻴناته، كما ينفذ غالباً في كتلتين خطيتين، إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، وهي الخصائص التي يمكن ملاحظتها في هذه اللوحة.
إشراقة
صمّم ممدوح لوحته في كتلتين خطيّتين، وبتكوين الطغراء المعهود، وبطريقة التضفير والتركيب المكثّف، ففي الكتلة الكبيرة كتب «محمد» في المستوى الأول، أسفل النص، كقاعدة حاملة له، لأن المقصود بمضمون اللوحة هو محمد صلى الله عليه وسلّم، وكتب «صاحب» في المستوى الثاني، مُركبّة ًعلى «محمد» لتأكيد المعنى الدّال على تفرّده بما سيأتي في النص، وكتب «المقام» في المستوى الثالث، وركّب عليها «المحمود»، جاعلاً الكلمتين في قلب التكوين الخطي لهذه الكتلة، للإشارة إلى أن مضمونهما (المقام المحمود) هو الهدف المرغوب والمَرْجُوُّ من الله في الدعاء المُستدعى في اللوحة، فيما كتب في الكتلة الصغيرة «صلى» في مستوى عُلوي، وكتب في المستوى الأعلى «الله» للدلالة على عظمته جلّ في عُلاه، وكتب كلمتَيْ «عليه» و«سلّم» مُختزلاً حرفيْ العين والسين بسلاسة متقنة، وكتب الواو في الأسفل لتملأ المساحة المقابلة لحرف الميم، وكأنه بكتابة هذه الكتلة منفردة يريد من مشاهد النصّ أن يصلّي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم لتأكيد أحقيته في ذلك الفضل العظيم.
وقد أبدع في اختزال بعض الألفات الممدودة ومزجها في ترادف بديع، وفي تدوير بعض الحروف وتقويسها لتحقيق شكل التكوين الطغرائي، كما لا يغيب عن المشاهد التناسق الذي أحدثته ألوان الحبر الشفاف على الورق المُقهّر، مانحة اللوحة إشراقة وبهاءً.
0 تعليق