في عالم مليء بالأزمات المتلاحقة، وفي ظل تصدع العلاقات الاجتماعية وضغوط الحياة، يصبح التمكين الجماعي والعدالة الاجتماعية والمبادرات المحلية المفتاح لمواجهة التحديات وتحويل الأزمات إلى فرص للتغيير الإيجابي.
يقدم آدم غرينفيلد في كتابه «بيت الحياة: العناية بأنفسنا في عالم يشتعل» مقاربة جديدة لمواجهة الأزمات المتلاحقة التي تواجه عالمنا المعاصر. يتناول الكتاب مفهوم «الطوارئ الممتدة» التي نعيشها اليوم، والتي تتجسد في سلاسل متواصلة من الأوبئة، وموجات الحر الشديدة، والجفاف، والحروب على الموارد، وغيرها من الكوارث المرتبطة بتغير المناخ. في ظل هذا الواقع المتأزم يطرح غرينفيلد تساؤلاً محورياً: ماذا لو تمكّنّا من تحويل استراتيجيات الرعاية وشبكات الدعم التي تنشأ كردود فعل على هذه الأزمات إلى طريقة حياة موحدة ومتماسكة؟
يعتمد غرينفيلد في أطروحته على أمثلة من التاريخ الحديث والمعاصر، مثل برامج البقاء التي أطلقها حزب «الفهود السود» في الولايات المتحدة، ومبادرات الإغاثة في أعقاب إعصار ساندي التي أطلقتها حركة «احتلوا وول ستريت»، ومجموعات الدعم المحلية التي برزت خلال فترات الإغلاق أثناء جائحة كورونا. كما يستعرض التجارب الكبرى للمجتمعات الذاتية التنظيم، مثل البلديات المستقلة في إسبانيا. ويدعو غرينفيلد إلى إعادة التفكير في مفهوم القوة المحلية، كوسيلة لمقاومة اليأس، وكفرصة لإطلاق القدرات الفردية والجماعية التي ظلت مهملة في ظل نظام الرأسمالية المتأخرة.
يشير المؤلف إلى أن الحلول ليست دائماً في الهياكل الكبرى أو الأنظمة المركزية، بل في المبادرات الصغيرة التي تنبع من المجتمع المحلي، حيث يمكن أن تكون هذه المبادرات بذوراً لتغيير شامل. يركز غرينفيلد على أهمية إعادة إحياء المفاهيم التقليدية للمساعدة المتبادلة، لكنه يفعل ذلك بأسلوب معاصر يأخذ في الاعتبار التحديات الحالية والتطورات التكنولوجية. فهو يرى أن الجمع بين الحكمة القديمة والابتكارات الحديثة يمكن أن يخلق نموذجاً جديداً للحياة يعزز الصمود الجماعي أمام الأزمات. ويعتبر أن المجتمعات التي تنجح في بناء شبكات دعم متكاملة ستكون أكثر قدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة بسرعة.
يستعرض الكتاب الصادر حديثاً عن دار فيرسو باللغة الإنجليزية ضمن 272 صفحة من خلال فصوله الأربعة رحلة نحو بناء القوة الجماعية والرعاية المتبادلة في مواجهة أزمات العصر المستمرة. يبدأ الفصل الأول بعنوان «حالة الطوارئ الممتدة» بتشخيص الأزمات المتلاحقة، مثل الكوارث المناخية والأوبئة، باعتبارها جزءاً من واقعنا المعاصر. ينتقل الفصل الثاني «الرعاية المتبادلة» لتسليط الضوء على أهمية بناء شبكات دعم محلية تعزز التضامن المجتمعي. يُبرز المؤلف في الفصل الثالث «القوة الجماعية» كيف يمكن للمجتمعات أن تستعيد سلطتها وتبني نماذج تعاون جديدة لمواجهة الأزمات. ويدعو الفصل الرابع «ما بعد الأمل» إلى تجاوز المفهوم التقليدي للأمل، والتركيز على بناء أسس حقيقية للصمود والعمل الجماعي.
يختتم المؤلف كتابه برؤية مستقبلية قائمة على التضامن والعمل المشترك، ما يجعله دليلاً عملياً ومنهجياً لتحويل الأزمات إلى فرص للنمو والتكيف، وذلك بناء على خبرة واسعة تمتد لأكثر من ربع قرن في هذا المجال، حيث شغل مناصب أكاديمية بارزة مثل زميل أول في مركز أبحاث المدن التابع لكلية لندن للاقتصاد، ومدرساً لتصميم المدن في جامعات نيويورك وكلية بارتليت بجامعة لندن. من بين كتبه السابقة «التقنيات الراديكالية: تصميم الحياة اليومية» (2017)، و«ضد المدينة الذكية» (2013)، و«عصر الحوسبة الشاملة» (2006).
تأليف:
0 تعليق