إعداد ـ محمد كمال
ما زالت تداعيات وكواليس اللقاء الكارثي الذي عقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جيه دي فانس مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض وعلى الهواء مباشرة، تتكشف وسط محاولة لرأب الصدع بين البلدين الحلفين، وسط تساؤلات عن كون ما حدث من تراشق فورة عفوية أم مخطط له بطريقة ما، ثم ماذا حدث داخل غرفة روزفلت في الجناح الغربي بعد انتهاء الاجتماع العاصف، ولماذا لم يستمع زيلينسكي لنصيحة «عدم ابتلاع الطعم».
● واقع الحال أن كل الشواهد داخل البيت الأبيض كانت معدة لتوقيع اتفاق المعادن التاريخي بين ترامب وزيلينسكي، حيث كان الرئيس الأمريكي يرغب بشدة في ذلك، لتتويج أيام من المفاوضات المحتدمة بين الطرفين، قبل أن يتوجه إلى منتجعه في عطلة نهاية الأسبوع.
● الغرفة الشرقية من البيت الأبيض كانت مزينة بالمساحات الخضراء وأربعة أزواج من الأعلام الأمريكية والأوكرانية، وتم إعدادها للرئيسين للتوقيع على صفقة المعادن التي وصفها مستشار الأمن القومي مايكل والتز بأنها «حاسمة» للولايات المتحدة. وفي موقع آخر، كان موظفو البيت الأبيض يعدون وجبة غداء احتفالية، مع قائمة الطعام الموضوعة على أدوات مكتبية تحمل العلمين الأمريكي والأوكراني المتشابكين بشكل وثيق.
● كان مسؤولو البيت الأبيض يتوقعون اجتماعاً إيجابياً وقالوا إنه ليس لديهم سبب كاف لتوقع العداء. وقال مسؤولون أوكرانيون وأمريكيون: إن الجانبين راضيان عن صفقة المعادن، على أمل أن تؤدي إلى إعادة ضبط العلاقة بين البلدين، بل كان ترامب نفسه في حالة مزاجية متفائلة في الليلة التي سبقت الاجتماع، وفقاً لمن تحدثوا معه. لكن ما حدث بعد ظهر يوم الجمعة لم يكن النهاية المتوقعة.
«لا تبتلع الطعم»
● رغم هذه الأجواء المتفائلة، فإن تحذيراً تلقاه زيلينسكي قبل ساعات من الاجتماع، من قبل السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام من ولاية كارولينا الجنوبية الذي قدم له بعض النصائح للتعامل مع ترامب، وقال له بالحرف: «لا تبتلع الطعم»، كما شجعه على عدم الدخول في خلاف مع ترامب، وفقاً لما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
● يقول جراهام: إنه بينما كان يجلس على متن طائرة الرئاسة ويستعد للسفر إلى فلوريدا مع ترامب، نصح الأوكرانيين بعدم الدخول في جدالات حول الاتفاقيات الأمنية. لكن ما حدث أن زيلينسكي لم يتمكن خلال الاجتماع من كتم مخاوفه. فيما أصبح ترامب، بحسب مقربين، يتوقع مستوى من الاستماع والاستجابة من كل من التقى به تقريباً منذ يوم الانتخابات. وكانت النتيجة توبيخاً غير عادي من جانب رئيس أمريكا لحليف أجنبي في قلب المكتب البيضاوي، بل على الهواء مباشرة أمام أنظار العالم أجمع.
● ثلاثة أشخاص على علم بما حدث مسبقًا قالوا: إن ترامب وفانس لم يتطلعا بالطبع إلى نسف صفقة المعادن، والتي كان من المتوقع أن يوقعها زيلينسكي في واشنطن. وبدلاً من ذلك، قالوا إنه أثار الرجلين من خلال عدم تقديم الشكر الكافي للولايات المتحدة لمحاولتها إنهاء الحرب، وهو ما أراد ترامب سماعه، ومن خلال الضغط من أجل التزامات بحماية أوكرانيا من أي هجوم روسي مستقبلي وهو ما كان ترامب يرغب في تجنبه.
شكوى الزي الرسمي
● كانت زيارة الجمعة هي الخامسة لزيلينسكي إلى البيت الأبيض، وبدأت مثل العديد من الزيارات الأخرى. لكن عندما مرت سيارته عبر بوابات البيت الأبيض، ظهرت أولى علامات المشاكل، بعد أن خرج زيلينسكي بزيه التقليدي في زمن الحرب، حيث نظر ترامب إلى الصحفيين وقال: «لقد ارتدى ملابسه بالكامل اليوم».
● عكس مزاح ترامب شكوى طويلة الأمد لدى بعض المحافظين بشأن الزعيم الأوكراني، وتم إحياؤها في المكتب البيضاوي عندما قام المراسل بريان جلين، بسؤاله: «لماذا لا ترتدي بدلة؟ أنت في اجتماع على أعلى مستوى في هذا البلد، وترفض ارتداء بدلة».
نقطة الانقلاب
● بحسب المصادر المطلعة فإنه عندما جلس ترامب وزيلينسكي لعقد اجتماع ثنائي دون أي كاميرات، كان التبادل ودياً، لكن بعد ظهر الصحفيون، وتحولت الأوضاع في الغرفة على الفور. وبعد نحو ثماني دقائق من الاجتماع، بدأ الصحفيون بإمطار الرجلين بالأسئلة، وكشفوا عن الانقسامات بين ترامب وزيلينسكي.
● المصادر أفادت بأن ترامب بدأ يشعر بالإحباط تجاه الصحفيين الذين ضغطوا عليه بشأن الضمانات الأمنية، التي كانت أوكرانيا تأمل في الحصول عليها مقابل منح الولايات المتحدة حصة في الثروة المعدنية للبلاد. وكانت تلك الضمانات، هي المطلب الأكثر أهمية لزيلينسكي.
● كانت هناك عدة لحظات من الغضب، مثل التي طُلب فيها من ترامب، بعد نحو 40 دقيقة من الاجتماع، الرد على المخاوف من أنه تقاربه الوثيق مع بوتين، يمكن أن يؤثر في المفاوضات، لكنه رد بالقول: إنه يعطي الأولوية لاتفاق السلام.
● في لحظة أخرى، حاول ترامب تصحيح كلام زيلينسكي بشأن العام الذي ضمت فيه روسيا شبه جزيرة القرم، لكنه قدم العام غير الصحيح. ثم صححه زيلينسكي، ثم قال بعدها إن الرئيس الروسي انتهك بشكل متكرر اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم التفاوض عليها، ثم رد فانس وأخبر زيلينسكي أنه لا يحترم الرئيس ترامب.
تهديد للولايات المتحدة
● ربما كانت النقطة الأكثر إثارة للجدل، عندما قال زيلينسكي إن الحرب في أوكرانيا تهدد الولايات المتحدة أيضاً. وقال: «لديك محيط جميل ولا تشعر به الآن، لكنك ستشعر به في المستقبل»، وذلك في إشارة إلى أن الحدود الأمريكية شبه آمنة طبيعياً بوجود المحيط، ولكن ذلك قد يمكن التغلب عليه في المستقبل.
دفع ذلك ترامب إلى الرد بحدة قائلاً لزيلينسكي: إن «وضعه غير جيد للغاية وإنه يقامر بالحرب العالمية الثالثة..«. ثم سخر ترامب من أحد المراسلين الذي سأل عما سيحدث إذا خرقت روسيا وقف إطلاق النار. فقال: «ماذا لو كان هناك أي شيء؟.. ماذا لو سقطت قنبلة على رأسك الآن؟ نعم؟ ماذا لو كسروها؟ لا أعلم، لقد قطعوا العلاقة مع بايدن لأنهم لم يحترموه. ولم يحترموا أوباما. إنهم يحترمونني».
● مع استمرار الجدال غير العادي، أعلن ترامب أن هناك ما يكفي لإنتاج حلقة «تلفزيون واقع رائعة»، قبل مغادرة الغرفة.
ماذا حدث في غرفة روزفلت؟
● بمجرد انتهاء الاجتماع، عاد زيلينسكي ومساعديه إلى غرفة روزفلت، وهي غرفة اجتماعات في الجناح الغربي للبيت الأبيض، بينما اجتمع ترامب مع مساعديه في المكتب البيضاوي، لمناقشة ما سيتخذونه من قرارات.
● كان من المفترض أن يشارك ترامب وزيلينسكي في حفل توقيع صفقة المعادن، ومن ثم عقد مؤتمر صحفي مشترك. وكان من المفترض أيضاً أن يتناول الوفود الغداء معاً، لكن ترامب كان غير سعيد ولم يرغب في مواصلة العمل مع زيلينسكي في ذلك اليوم.
● تم إرسال وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، إلى غرفة روزفلت ليقولا لزيلينسكي ووفده إنه سيتم إلغاء بقية أحداث اليوم، وعليهم المغادرة، لكن اقترح أحد أعضاء الوفد الأوكراني أن يحاول الرئيسان عقد اجتماع فردي للحد من الغضب المتصاعد؛ لكن لم يكن هناك استجابة أمريكية لذلك.
● بمجرد خروج الصحافة من المكتب البيضاوي، خرج زيلينسكي والوفد المرافق له أيضاً. وقال والتز لبرنامج «فوكس نيوز»: «أبلغنا الرئيس بالإجماع أنه بعد تلك الإهانة في المكتب البيضاوي، لا نرى كيف يمكن المضي قدماً، وأن أي مشاركة أخرى لن تؤدي إلا إلى التراجع».
● لم يكن مشهد السفيرة الأوكرانية أوكسانا ماركاروفا، وهي تضع وجهها بين يديها خلال اللقاء على الهواء هو الوحيد لها، لكن وزير الخارجية الأمريكي روبيو، الذي ذهب لإبلاغ الوفد الأوكراني بانتهاء الفعاليات عند هذا الحد، وجدها «تذرف الدموع بغزارة» بينما كان الوفد جالساً منتظراً، لكن زيلينسكي ما زال يجادل.
● والتز قال لزيلينسكي في الغرفة: «انظر، سيدي الرئيس، الوقت ليس في صالحك هنا. الوقت ليس في صفك في ساحة المعركة. الوقت ليس في صالحكم فيما يتعلق بالوضع العالمي، والأهم من ذلك، بالنسبة للمساعدات الأمريكية ودافعي الضرائب، فإن التسامح ليس بلا حدود».
● مضى ترامب قدماً في تناول وجبة الغداء، حيث ملأ المقاعد الفارغة ببعض كبار مساعديه، وعدد من الإعلاميين. ثم نشر نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، دان سكافينو، بسعادة على وسائل التواصل الاجتماعي قائمة الطعام التي تم تحضيرها.
● بعد ساعات قليلة، ظهر زيلينسكي على قناة فوكس نيوز لإجراء مقابلة كانت مقررة مسبقًا، وطلب منه بعض الجمهوريين أن يعتذر عن المواجهة في البيت الأبيض. وبدلاً من ذلك، أعرب زيلينسكي عن الأسف بشأن هذا الحديث المثير للجدل.
● خلال مغادرته البيت الأبيض متوجهاً إلى مارالاغو لقضاء العطلة الأسبوعية، قالت مصادر مطلعة: إنه قام بتحويل التلفزيون إلى قناة فوكس نيوز، لمشاهدة مقابلة زيلينسكي.
عوامل خارجية ولقاء ميونخ
● تحت السطح، كان هناك ما يشبه أعواد الثقاب التي غذت الاجتماع المتوتر، ومن بينها شكاوى الجمهوريين الطويلة الأمد من عدم احترام زيلينسكي الملحوظ، وخصوصاً الانتقادات التي كالها علناً في ملتقى ميونيخ الشهر الماضي.
● جاءت الزيارة أيضاً في الوقت الذي وقفت فيه الولايات المتحدة إلى جانب روسيا وضد أوكرانيا وأوروبا في الأمم المتحدة، وصوتت مع الدول الأخرى المتحالفة مع روسيا ضد قرار يدين الحرب الروسية في أوكرانيا ويدعو إلى إعادة الأراضي الأوكرانية.
● يبدو أنه ما زال في ذهن فانس اجتماع قبل أسبوعين فقط في ميونيخ، حيث أجرى هو وروبيو وزيلينسكي محادثة جادة حول التوقيع على صفقة المعادن، وفقاً لمسؤولي الإدارة. لكن في اليوم التالي للاجتماع، خرج زيلينسكي للقول: إنه لا يستطيع التوقيع على اتفاق غير مرتبط بالضمانات الأمنية.
● وزير الخارجية روبيو قال في وقت لاحق: إن زيلينسكي أكد لفانس وله أنه يريد «إبرام هذه الصفقة» ويحتاج فقط إلى موافقة تشريعية لإنجازها، وأن تعليقات زيلينسكي العامة اللاحقة تركت الإدارة الأمريكية «منزعجة»، وهو الشعور الذي خيم على محادثات المكتب البيضاوي يوم الجمعة، حتى عندما كانت إدارة ترامب تستعد لإنجاز الصفقة.
● في وقت سابق، تجنب الفرنسيون والبريطانيون الحدة خلال زياراتهم للبيت الأبيض وعرضوا إرسال قواتهم إلى الأراضي الأوكرانية لضمان التوصل إلى اتفاق سلام. وتحدث ترامب هاتفياً مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الذي أكد أن أي اتفاق يجب أن يكون «دائماً»، وفقا لحلف شمال الأطلسي.
بكاء في غرفة روزفلت.. الخفايا الدرامية لمواجهة ترامب وزيلينسكي - ستاد العرب

بكاء في غرفة روزفلت.. الخفايا الدرامية لمواجهة ترامب وزيلينسكي - ستاد العرب
0 تعليق