أنظار العالم نحو «البريميرليغ».. «البوكسينغ داي» عيد كرة القدم - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

متابعة: معن خليل
عبر البرتغالي جوزيه مورينيو عندما كان مدرباً لنادي تشيلسي في فترته الثانية بين عامي 2013 و2015 عن الواقع الغريب في الدوري الإنجليزي يوم 26 ديسمبر / كانون الأول من كل عام بشكل مميز عندما قال: في
هذه اللحظة يتمدد اللاعبون الألمان على الشواطئ، ويحاول اللاعبون الأسبان اكتساب السمرة في جزر المالديف، بينما في هذا البلد مازال اللاعبون يلعبون، لا يوجد أعياد هنا، وإنما كرة قدم فحسب، كما يبدي المشجعون احترامهم للاعبين أيضاً، لأن جميع تذاكر المباريات مباعة.
كان يقصد مورينيو وهو الذي عايش الكرة الإنجليزية عن كثب أن «البريميرليغ» يختلف عن كل بطولات العالم التي ينال لاعبوها قسطاً من الراحة خلال فترة عيد الميلاد الذي يصادف في 25 ديسمبر/كانون الأول، بينما تستمر عجلته هو في الدوران وبوتيرة أسرع، إلى درجة أن أنديته تخوض أحياناً ثلاث مباريات على التوالي في ظرف ستة أيام فقط.
وهناك من لم يوافق مورينيو الرأي مثل الهولندي لويس فان غال مدرب مانشستر يونايتد السابق، الذي اختبر «البوكسينغ داي» في الدوري الإنجليزي، حيث شكا من ضغط المباريات، مؤكداً أن جسم الإنسان لا يمكنه التعافي خلال 48 ساعة.
وقال فان غال: «لقد كان الشوط الثاني أمام توتنهام صراعاً أكثر من كونه كرة قدم، لم يتمكن اللاعبون من التقاط الأنفاس في غضون يومين، إنها ثقافة إنجلترا أن
تلعب مرتين في 48 ساعة، أعتقد أن جسم الإنسان لا يمكنه التعافي خلال هذه الفترة».
وبعيداً عن رأيي مورينيو وفان غال المختلفين، يبقى أن لكرة القدم الإنجليزية عيدها، وليس في ذلك أي مغالاة بعدما اعتادت منذ أن انطلق دوريها بصيغته القديمة «الدرجة الأولى» ثم الممتاز «البريمييرليغ» أن تكون مبارياتها أحد مظاهر أعياد الميلاد التي لا تختلف كثيراً عن المظاهر الأخرى مثل زينة «الكريسماس» وبابا نويل والهدايا التي تقدم في المناسبة.
ويعد 26 ديسمبر/كانون الأول يوم عطلة في بريطانيا ويطلق عليه «يوم الصناديق»، ومن هنا جاءت تسمية الجولة في الدوري الإنجليزي التي تقام بعد يوم من عيد
الميلاد بـ«بوكسينغ داي».
والغريب في جولة الميلاد أن كل مبارياتها تقام في نفس اليوم، وتعقبها جولة أخرى ساخنة يوم 28 ديسمبر / كانون الأول، قبل أن ينطلق الدور الثاني من الدوري في الأول من يناير/كانون الثاني في العام الجديد، ومن ثم يتوقف «البريميرليغ» لمدة عشرة أيام.
تقليد قديم
تاريخياً، عرفت بريطانيا وكل الدول الناطقة بالإنجليزية ماعدا أمريكا الـ«بوكسينغ داي» منذ العصور الوسطى واعترفت به كعيد رسمي عام 1871، وهو ينسب إلى
اليوم الذي يتم فيه تبادل علب هدايا عيد الميلاد (Boxes)، وكان التقليد المتبع قديماً ذهاب الأثرياء لتقديم علب الهدايا للفقراء.
وتحول هذا التقليد العام إلى رياضي في ألعاب مختلفة تعتبر شعبية في بريطانيا ودول الكومنولث التي استعمرتها «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس» سابقاً، منها كرة القدم والرجبي والكريكيت وسباقات الخيل والصيد وغيرها.
وخطفت كرة القدم الأضواء بعد ذلك، وكانت تقام المباريات بين فرق المدينة الواحدة مثل أن يلعب مانشستر سيتي مع اليونايتد، وأرسنال مع تشيلسي، وإيفرتون مع ليفربول وهكذا، حيث لا يسافر أي فريق في هذا اليوم ليلعب خارج مدينته، لكن مع مرور السنوات لم يعد هذا التقليد ملزماً، ويقال إن سبب ذلك يعود إلى حدوث اشتباكات بين جماهير فريقي شيفيلد يونايتد وشيفيلد ويدنزداي في عام 1979، فرأى الاتحاد الإنجليزي أنه ليس من الضروري إقامة مباريات «الديربي» حرصاً على عدم إفساد الأجواء الاحتفالية في البلاد.
وحدثت تغييرات جوهرية أخرى مثل تبديل موعد «البوكسينغ داي» من 25 ديسمبر/كانون الأول إلى 26 منه وذلك منذ عام 1957 لأسباب تسويقية، حيث إنه
من المعروف أن يوم الصناديق أكسب الدوري الإنجليزي الممتاز حالة تسويقية لا مثيل لها، لاسيما أن العالم كله يشاهد مباريات «البريميرليغ» في يوم تكون فيها جميع المنافسات بدول أخرى متوقفة تماماً فيما يعرف بعطلة الشتاء.
كما أن كرة القدم تصبح يوم 26 ديسمبر/كانون الأول من كل عام المتنفس الوحيد للشعب البريطاني وسط إغلاق كل المرافق الأخرى في البلاد، وعيداً حقيقياً للعبة الشعبية التي يتبادل جمهورها صناديق الهدايا ويحضر بعضهم إلى المدرجات لمتابعة المباريات وهم يرتدون قبعات حمراء.
هدنة الميلاد
وللتدليل على الجانب التسويقي والدعائي للمناسبة، فإن الكرة الإنجليزية أوجدت لنفسها حدثاً تحتفل به ضمن فعاليات عيدها، حيث تم عام 2014 مثلاً إحياء الذكرى المئة لهدنة عيد الميلاد خلال الحرب العالمية الأولى من خلال تسجيل مصور لقصيدة تناوب على إلقائها مجموعة من اللاعبين والمدربين والحكام السابقين والحاليين من كافة أنحاء إنجلترا. وتضمنت القصيدة مقاطع شعرية ألقاها مجموعة من اللاعبين.
وتعرض القصيدة لحظة وضع الجنود من بريطانيا وألمانيا أسلحتهم وصعودهم من خنادقهم الموحلة وتنظيمهم لمباراة كرة قدم في المنطقة المحرمة الفاصلة بين مواقعهم خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914.
واشتهرت تلك المباراة بين الأعداء كونها أكدت أن كرة القدم من الممكن أن تكون وسيلة للسلام، وهو ما حدث فعلاً في ليلة عيد الميلاد عام 1914، عندما لمعت أضواء في معسكر الألمان في مدينة إيبر البلجيكية، وعندما ظن جنود الجيش أنهم قد يتعرضون لهجوم وشيك، ترددت في المكان النغمات الشهيرة لأهازيج عيد الميلاد، وبحرص وحذر، خرج جنود الجيشين من مكامنهم وأخذ كل فريق يقترب من الآخر،
وتتويجاً لروح التآخي، قرروا لعب مباراة في كرة القدم، ويقال إن الألمان فازوا بهدفين مقابل هدف واحد.
هذه المباراة التاريخية التي أطلق عليها «لقاء عيد الميلاد»، اختارها الدوري الإنجليزي لتكون ضمن فعالياته «البوكسينغ داي» في 2014، تحت اسم «كرة القدم تتذكر»، وإضافة إلى القصيدة الشعرية التي ألقاها النجوم أقيمت مباراة بين أفراد من القوات البريطانية والألمانية.
أرقام تاريخية
على العموم، فإن «البوكسينغ داي» ليس مجرد مباريات تقام في عيد الميلاد؛ بل دخل كذلك في ذاكرة الدوري الإنجليزي من خلال الأرقام القياسية التي تتحقق، ومنها ما حصل في بطولة عام 1963، عندما تم تسجيل 66 هدفاً في 10 مباريات وهو ما لم يتكرر في أي موسم آخر، علماً أن فولهام فاز في ذلك اليوم على ايبسويتش تاون 10 -1، وهي أكبر نتيجة في تاريخ البطولة أيضاً.
ولقد كان يوم 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1963 تاريخياً بالفعل، حتى في الفئات الأخرى للدوري (الأولى والثانية والثالثة)، حيث سجل ما مجموعه 160 هدفاً في يوم واحد، مع تسجيل سبعة لاعبين ثلاثة أهداف «هاتريك»، وهو ما جعل صحيفة «ديلي ميرور» تكتب يومها: إنه يوم مجنون في عالم كرة القدم، وأجمل عيدية للمشجعين، في واحد من أكثر أيام اللعبة متعة.
حادثة أخرى سجلت في دفتر الأرقام القياسية وكانت جولة «البوكسينغ داي» شاهدة عليها عام 1999، عندما قام الإيطالي الراحل جانلوكا فيالي مدرب تشيلسي وقتها بالدفع بتشكيلة خلال المباراة مع ساوثمبتون لا تضم أي لاعب بريطاني، وهو أمر لم يحدث قبل يوم 26 ديسمبر /كانون الأول من ذلك العام على مدى 111 سنة و3 أشهر و17 يوماً على بداية تاريخ الكرة الإنجليزية وخلال أكثر من 150 ألف مباراة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق