رغم أي تحفظات قيلت في حق النظام السوري السابق وانحيازاته التي فرضت عليه خيارات بعينها ضمن محور إقليمي عمّق الانقسامات، فإن ما جرى قبل أيام في سوريا من تغيير لا يمكن التغاضي فيه عن ملامح تراجع عربي يُخشى أن يتحول إلى هزيمة نفسية.
إن انهيار جيش عربي أو تجميده في المواجهات التي جرت في سوريا وسرّعت سقوط النظام لا يمكن غض الطرف عنها رغم زحام التطورات، ولا التعامل معها باعتبارها مجرد واحدة منها والانصراف إلى ما سواها من ترتيبات تخص شكل الحكم المنتظر في سوريا أو طبيعة الفاعلين فيه.
أي انغماس في مراجعة ما شهدته سوريا لأكثر من عشر سنوات والتراشق بالخطايا بين بقايا النظام السابق ومناوئيه، واختلاط الأماني بالمخاوف بشأن ما هو آت لا ينبغي أن يشغلا عن الإحساس بخسارة السوريين والعرب جيشاً في أيام، وانكشاف جبهة استراتيجية في الخريطة العربية على قليل من المعلوم وكثير من المجهول.
إننا، بعد عشرين عاماً، أمام نسخة جديدة لما حدث للجيش العراقي والنفاذ من تفككه إلى أخطار وويلات شهد الجميع فداحة ما جرّته من خسائر، منها التمدد الإقليمي في العراق وغيره من عواصم وحركات عربية حتى صحونا على النتائج التي تتوالى.
يمكن أن يقال في الجيش السوري ما يرمى به النظام السابق، وأن يلتقي كثيرون عند أنه كان جيشاً محكوماً بطائفة، ولكنه كان مانعاً لمزيد من التغول الإسرائيلي في الأراضي السورية كما حدث بعد سقوطه، وحاجزاً لتدفق جماعات ترفع رايات متعددة وتتحرك باسم أطماع متنوعة.
إن غياب الجيش السوري يوحي لكثيرين بالاستسلام لما تفعله بنا موجات التغيير التي توارت زمناً ثم عادت متسارعة، رغم أنه كان يمكن تحاشيها لو استمع النظام السوري إلى دعوات لم الشمل والرهان على الشعب بكل مكوناته واستثمار ما توفر من فرص وجهود عربية في هذا الشأن، والتوقف عن الارتهان لإرادات قوى إقليمية.
هذه القوى لم تدمر فحسب فرص إصلاح بيوت عربية اهترأت من الداخل، بل دفعت إلى خيارات متهورة في القضايا العربية الملحة حتى توالت ساحات الخيبة: خيبة المنقادين لغير الإرادة العربية، وخيبة عرب كانوا، رغم أي شيء، ينتظرون نصراً رأوه وحدهم قريباً.
ليس المقصود تعداد الخسائر ولا عمق تأثيراتها، ولا الانتصار لوجهة نظر ما، فالأهم النظر في ما يمنع تحولها إلى هزيمة نفسية وتسليم بأننا، كأمة عربية، خارج معادلات التغيير، وأن دورنا انتظار تنفيذ المرسوم لنا.
سيطرة هذا الشعور على الأجيال التي تتابع التحولات الصعبة تعني سقوط جبهة أخرى في غياب الثقة بقدرتنا على تبين الأخطار والإسهام في التصدي لها وتحويل مساراتها أو تفادي تبعاتها الكبرى. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالوقوف في وجه أعداء الدولة الوطنية وتحويل قدراتنا المهدرة إلى فعل حقيقي.
0 تعليق