موجة رابعة من النهضة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يحيى زكي
مر التفكير في سؤال كيف ينهض العرب؟ بثلاث مراحل رئيسية في العصر الحديث، المرة الأولى كانت مع جيل رفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق وخير الدين التونسي، وكانت تلك المرحلة تمتلئ بمفردات تدور حول ضرورة الأخذ بقيم التمدن. أما المرحلة الثانية فجاءت مع جيل طه حسين ورغم وقوع بلدان العالم العربي فريسة للاستعمار الغربي إلا أن خطابات ذلك الجيل اتسمت بالتفاؤل، وإعطاء الأولوية للثقافة والإيمان بأنه من خلال المعرفة يمكن للعرب الانخراط في العالم.
جاءت المرحلة الثالثة التي طُرح فيها سؤال النهضة في أعقاب هزيمة يونيو(حزيران) 1967، وبدأت بكتابات النقد الذاتي في الفكر، وزادت وتيرتها مع أدبيات جلد الذات في الأدب، وشملت مراجعات لكل شيء، وتورطت أحياناً في رؤى استشراقية، كان الإحباط مهيمناً على جميع المفكرين والمثقفين العرب الذين اعتقدوا أن مرحلة الاستقلال وما أعقبها من ثورات وتحولات سياسية كبرى في العديد من أقطار الوطن العربي، قد تجاوزت مرحلة النهضة بأطروحاتها كافة، وكما قيل فإن الثورة نفسها لا تحتاج إلى التفكير في النهضة أساساً، وجد المثقفون بعد 5 يونيو(حزيران) أنفسهم أمام السؤال الإشكالي الذي استمر لعقود لاحقة:كيف انهزمنا بهذه السهولة؟.
في المراحل الثلاث، بإمكاننا أن نميز بين تباينات واختلافات، ونخرج بروح مميزة لكل مرحلة، في المرحلة الأولى كان المثقف يستكشف الحداثة وينقلها إلى وطنه وأهله، وفي المرحلة الثانية كان ينور البشر ويكتب بلغة بسيطة ويحثهم على التثقف ويدعو إلى التعليم والأخذ بأسباب الحضارة، في المرحلة الثالثة سنجد أنفسنا أمام مفكر غاضب من الهزيمة وما حدث، انقلب عالمه، ووجد نفسه يعود إلى نقطة الصفر وتواجهه حزمة أسئلة وليس سؤالاً واحداً، كيف نتجاوز الهزيمة؟، وكيف ننهض؟...إلخ، وعاش الكثير من هؤلاء في أبراجهم العاجية وأنتجوا كتابات للخاصة يناقشون فيها أفكاراً شديدة الجرأة.
يلاحظ أيضاً أن أطروحات المرحلتين الأولى والثانية كانت تدرك نفسها بوصفها شريكة للعالم. صحيح نحن أدني في سلم الحضارة، ولكننا نستطيع صعود هذا السلم لو قمنا بخطوات معينة أو نجحنا في تجاوز العوائق التي أفرزتها قرون التراجع، ونتيجة لأن أطروحات المرحلة الثالثة من السؤال كانت مهجوسة بالسياسي، جاءت الأطروحات إقصائية إما نحن أو هم، قالها محمد عابد الجابري يوماً: «لا أمل في نهوض العرب في ظل التفوق الغربي»، وهو ما تؤكده رؤى تاريخية انتشرت بكثافة، تبصر حركة التاريخ كدوائر تتنقل بصورة دورية بين الغرب والشرق، وفي ظل تدهور الغرب ربما نستطيع نحن النهوض، ولكن تلك الرؤى لم تجب عن سؤالين مركزيين: لماذا تستقر عجلة التاريخ عندنا؟ وماذا فعلنا لكي نحصل على هذا السبق؟.
مر أكثر من ربع قرن ولم يطرح أحدهم سؤال النهضة مرة رابعة، برغم حاجته الملحة في عالم تغيرت قواعد اللعب فيه، عالم تتعدد فيه المراكز الحضارية، والتي بالإمكان الوصول إليها بشرط أن نمتلك إرادة أن نبدأ موجة رابعة من العصف الذهني حول النهضة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق