ما هي رؤيتك الباطنيّة لشعارات ثقافة السلام والحضارة، التي يتغنّى بها الغرب في منطقتنا العربيّة بالذات؟ بادئ ذي بدء متدحرج، مفعم بالحرج، يجب أخذ مسافة من المتشائمين، الذين لا يصطادون في الماء النمير الزلال، ويعجلون بالقول إن عتاولة المجتمع الدولي، يريدون بالأرض العربية السوء، لتصير ملكاً مشاعاً، يضعون اليد على ما يطيب لهم، ويهبونه لمن أرادوا، وهم يغنّون للشعوب: «إني خيّرتك فاختاري.. ما بين الغصّة والنارِ».
ندع الشؤون السياسية والسياديّة لمن لهم النظر والقرار في أمور الحلّ والعقد، مع التحفظ الضروري، لكون الثقافة تصبح صفراً على الشمال إذا باتت خارج الميادين السياديّة. الدليل الحاسم هو ما حدث للعالم العربي ويحدث وسيحدث، إلى أن تتغيّر المعادلات غير العادلة. نكتفي حاليّاً بانعكاسات الأوضاع الإقليمية والعالمية على المجالات التي لا تلفت الانتباه كثيراً في حمأة حميم المناطق الساخنة.
ما هي عواقب التهشيم الفظّ المتعمّد للقانون الدولي والشرعية والأعراف الدولية، وقيم السلام والتعايش السلمي، في منهاج التربية الوطنية في أنظمة التعليم؟ هل سيدرّس العرب بناتهم وبنيهم أن القوى الغاشمة الفلانية، قضمت قضمات تمساحيّةً قِرشيّةً من فرائس عدد من الخرائط؟ ماذا إذا سأل التلميذ: أستاذ، لماذا ننشد: «نموت نموت ويحيا الوطن»، إذا كانت القوة قادرة على تغيير المبادئ وإلغاء المسلّمات الراسخة؟ ثم، كيف يتسنّى تدريس العلوم السياسية والاجتماعية في الجامعات لطلاّب في صميم دراستهم، متابعة الأوضاع وتحليلها؟ أحد أعتى سناتير الإمبراطورية، ليندسي غراهام، قال: «إن القانون الدولي لم يوضع لنا ولحلفائنا، وإنما هو للتحكم في الدول الضعيفة»؟
القضايا لا تنحصر في الإشكاليات المعقدة التي تواجهها مناهج التعليم من الابتدائية إلى الجامعة، بل تتعدى ذلك إلى ما يستوجب إعادة النظر في الخطاب الإعلامي في وسائط الإعلام.
تخيّل المشهد التالي: حين تغدو مراكز القوى هي التي تستخدم المعاول لهدم دعائم الأمن والاستقرار في النظام الدولي، فهل تمسي الفلسفة السياسية هي أن القانون الدولي يعني الفوضى وقانون الغاب؟ أخطر من ذلك: هل سيصبح لزاماً على البلدان المستهدفة أن تغيّر مفاهيمها وخطابها في السياستين الداخلية والخارجية؟ ألا يشبه ذلك ألعاب الهولوغرام والذكاء الاصطناعي، بتحويل رعاة العالم إلى سباع مفترسة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينيّة: ما يحدث في العالم يحمل في طيّاته أنه لا يمكن أن يدوم. ليس في الإمكان أفظع ممّا كان.
[email protected]
0 تعليق