ماكرون وبايرو.. رهان الفرصة الأخيرة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

بإعلان إيمانويل بون المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقالته من منصبه يوم الجمعة الماضي تكون دوائر الأزمات قد أحكمت حلقاتها حول الرئيس ماكرون الذي ينفضُّ عنه أقربُ رجاله وحلفائه الواحد تلو الآخر، في الوقت الذي يحرص ماكرون على أن يعيد فيه لفرنسا دورها القيادي في القارة الأوروبية وفي القلب منها الاتحاد الأوروبي، حيث يفرض سؤال محوري نفسه: كيف يستطيع ماكرون أن يكون زعيماً لأوروبا، أو أن يقود أوروبا نحو تحقيق مشروعه الداعى إلى «استقلالية استراتيجية» لأوروبا عن الولايات المتحدة تحسباً لسياسات وقرارات خطيرة من المرجح أن يلجأ إليها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عقب توليه سلطاته الدستورية يوم 20 الشهر الحالي؟!.
فالرئيس ماكرون هو الذي خلق أصعب استحالاته عندما أصدر قراراً منفرداً بحل البرلمان (الجمعية الوطنية) دون استشارة أي من رجاله ومستشاريه وفي مقدمتهم رئيس حكومته «غابريل أتال»، وكذلك مستشاره الدبلوماسي إيمانويل بون وغيرهما، هذا القرار بحل البرلمان اتخذه ماكرون في 12 مايو/ أيار الماضي كرد فعل لفوز اليمين الفرنسي المتطرف بزعامة مارين لوبان بالأغلبية في انتخابات البرلمان الأوروبي التي ظهرت نتائجها يوم 9 مايو/ أيار الماضي، فقد كان طموح ماكرون أن تأتي الانتخابات الجديدة للبرلمان بنتائج ترضيه يتم فيها هزيمة اليمين الفرنسي المتطرف الصاعد ويؤمِّن أغلبية برلمانية لتيار يمين الوسط الموالي للرئيس، لكن النتائج جاءت مغايرة تماماً إذ حصل تحالف أحزاب اليسار (الجبهة الشعبية الوطنية) على المرتبة الأولى ب199 مقعداً، وجاء معسكر ماكرون في المرتبة الثانية ب160 مقعداً وحصل اليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني) على 143 مقعداً.
ما يعني أن الانتخابات الجديدة التي أجريت في يونيو/ حزيران الماضي جاءت ببرلمان لم تحقق فيه أي من القوى السياسية الكبرى الثلاث أية أغلبية مطلقة أو نسبية، وخسر حزب الرئيس نحو 70 مقعداً في البرلمان الجديد، ووجد الرئيس نفسه غير قادرعلى تشكيل حكومة لها أغلبية داخل البرلمان، في الوقت الذي وجد نفسه عاجزاً دستورياً عن حل هذا البرلمان إلا بعد مضي سنة كاملة على إجراء الانتخابات الأخيرة أي في يونيو/ حزيران المقبل، حيث وجد ماكرون نفسه أمام استحالة حل الجمود السياسي الجديد الذي ورط نفسه فيه.
الاستحالة الثانية خلقها أيضاً ماكرون بتجاوز الأعراف السياسية والبرلمانية بتكليف التحالف البرلماني الأكبر بتشكيل الحكومة، فقد رفض ماكرون ورفض معه رئيس حكومته غابريل أتال تكليف التحالف اليساري بتشكيل حكومة يسارية يقودها جان لوك ميلوتشون زعيم حزب «فرنسا الأبية»، واختار ماكرون رئيساً للحكومة الجديدة ينتمي إلى تيار الوسط (الجمهوريين) هو ميشال بارنييه الذي سبق أن تولى حقيبة وزارة الخارجية وكان كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا بشأن مغادرتها للاتحاد (بريكست)، متجاوزاً ما تسميه جبهة اليسار للإرادة الشعبية وكانت النتيجة هي استحالة استمرار هذه الحكومة وسقوطها في أول اختبار، وهكذا وجد ماكرون نفسه أمام هاتين الاستحالتين: استحالة تكوين كتلة قوية داخل البرلمان مؤيدة له تؤمِّن الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة مستقرة، واستحالة حل البرلمان قبل عام من إجراء الانتخابات السابقة.
نجاح المعارضة: نواب اليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني) ونواب اليسار (الجبهة الشعبية الوطنية) في إسقاط حكومة ميشال بارنييه التي لم تكن تتمتع إلا ب47 نائباً فقط، حيث أيَّد 331 صوتاً من أصل 574 صوتاً إسقاط هذه الحكومة في أول وأحرج اختبار لها أمام البرلمان بسبب الخلاف حول ميزانية عام 2025 التي قدمتها الحكومة.
إسقاط حكومة ميشال بارنييه فجَّر مطلباً سياسياً أفقد الرئيس ماكرون قوته وهو المطالبة باستقالة الرئيس حلاً للأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد، لكنه لجأ مجدداً إلى الحل الذي سبق تجريبه وتأكد فشله، وهو اختيار رئيس حكومة جديدة مقرب منه وينتمي أيضاً إلى تيار يمين الوسط، ووقع اختياره على «فرانسوا بايرو» (73 عاماً) رئيس حزب «الحركة الديمقراطية» في 13 ديسمبر/ كانون أول الفائت، وتعهد ماكرون بالبقاء في منصبه حتى انتهاء ولايته في عام 2027.
هذا التعهد ليس له ما يؤمِّنه إذا كرر البرلمان التصويت بحجب الثقة عن حكومة فرانسوا بيرو كما فعلها مع حكومة ميشال بارنييه عندها ستتجه الأنظار حتماً ومجدداً نحو الرئيس إيمانويل ماكرون الأمر الذي سيتحول إلى أزمة سياسية قد تتحول إلى «أزمة مؤسساتية».
الرهان الجديد للرئيس ماكرون يتركز حول قدرة بايرو على التعامل مع اليمين واليسار معاً، والتأسيس ل«مشروع موحد» يستطيع تجميع الصفوف على حد طموح رئيسة البرلمان يائيل براون- بيفيه في قولها إن بايرو هو «رجل المرحلة السياسية التي نعيشها، ونحن بحاجة إلى رص الصفوف حول مشروع موحد»، لكن رفض حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد لهذا التوجه وإعلان قادته أنهم سيسعون إلى إقالة بايرو في البرلمان في أقرب فرصة يجدد الصعوبات أمام الرئيس الفرنسي.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق