ترامب وتهجير الفلسطينيين - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. يوسف مكي

لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول مطالبة البلدان العربية المحيطة، بفلسطين التاريخية، وتحديداً الأردن ومصر، وبلدان عربية أخرى، بترحيل سكان غزة، إلى بلدانهم، مفاجئة لمن تتبعوا سيرة ترامب السياسية. ففي دورته الرئاسية الأولى، اعترف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، خلافاً لقرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وبشكل خاص القرارين 242,338، اللذين نصّا على الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران/ يونيو 1967، ورفض نتائج احتلال الأراضي بالقوة المسلحة.
تصريحات ترامب، تأتي متسقة، مع نهجه المعادي لتطلعات الفلسطينيين في الاستقلال، وحقهم في تقرير المصير. وما مطالبته بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الأسرى من الجانبين، سوى محطة أخرى، من أوجه سياساته المغرقة في عنصريتها. فوفقاً لتصريحاته، فإن الهدف من وقف إطلاق النار، هو عودة الأسرى الإسرائيليين إلى ديارهم، أما الفلسطينيون، فإنهم يعودون ضمن شروط، تمنع عن أهاليهم، حتى حق إبداء ابتهاجهم بعودة أبنائهم، وتضع شروطاً على إطلاق سراح بعض الأسرى، الذين صنّفوا في خانة الخطرين، حيث مصيرهم المنافي، بعد الإفراج عنهم، وليس العودة إلى بيوتهم وأهلهم.
الأمر الذي فات إسرائيل، وراعيها دونالد ترامب، والذي لم يكن في الحسبان، هو ردة الفعل العربية، الرسمية والشعبية، تجاه تصريحات ترامب، والتي بدت في سابقة لم تشهدها المنطقة، منذ عقود طويلة. فقد أكد العرب تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، مؤكدين مجدداً مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي.
ففي بيان عربي مشترك، صدر في القاهرة، السبت الماضي، جاء بعد اجتماع لوزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أكد المشاركون رفضهم لفكرة تهجير الفلسطينيين، خارج أراضيهم، تحت أي ظرف من الظروف. وأوضحوا رغبتهم في التعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي، ترامب، لتحقيق السلام العادل والشامل، في الشرق الأوسط، وفقاً لحل الدولتين، والعمل على إخلاء المنطقة من النزاعات.
وحول اتفاق وقف النار في غزة، الذي تم التوافق بين الفلسطينيين وإسرائيل، على بنوده، أكد بيان وزراء الخارجية العرب، المشار إليه، أهمية استدامة وقف إطلاق النار، وبما يضمن تسهيل السبل، لإيصال الدعم الإنساني، إلى جميع أنحاء قطاع غزة، وإزالة العقبات أمام دخول كافة المساعدات الإنسانية. كما أكد البيان، ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل، والرفض التام لأي محاولات لتقسيم قطاع غزة، وتمكين السلطة الفلسطينية، من تولي مهامها في القطاع.
إن الرئيس ترامب، بدعوته القادة العرب للقبول بسياساته، يتناسى عن عمد، أنه يتعامل مع دول مستقلة، وأن حديثه عن حماية أمريكا لهذه الدول، هو أمر مجافٍ للواقع، فليس هناك تهديد للأمن القومي العربي، من قبل أيٍّ كان، سوى النهج التوسعي والعدواني، للقوى الإقليمية، وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي، الذي يتمتع بحماية مطلقة، من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
لقد قدم العرب، والفلسطينيون معاً، تنازلات كبرى، من أجل تحقيق السلام، في هذا الجزء من العالم، حين تخلّوا عن حقوقهم في فلسطين التاريخية، وقبلوا بقيام دولة فلسطينية فوق التراب الوطني، الذي جرى احتلاله، في حرب الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967، وتحديداً في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومدينة القدس الشرقية.
وقد قبلت التنظيمات السياسية الفلسطينية، على اختلاف توجهاتها، في الدورة الثامنة، للمجلس الوطني الفلسطيني، بهذا المشروع، لكنه ووجه بالغرور والصلف الإسرائيلي، ورفض كل المبادرات من أجل تحقيق سلام عادل بالمنطقة العربية، يضمن الحقوق المتسقة مع القانون الدولي، وميثاق هيئة الأمم المتحدة.
وقد قدم الفلسطينيون في سبيل ذلك، قوافل الشهداء، وكانت انتفاضة أطفال الحجارة، علامة مضيئة في التاريخ الفلسطيني، بهرت جميع شعوب العالم، واعترف بفاعليتها القاصي والداني، وكانت المحرض للرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، لإعلان بيان الاستقلال، في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي عقدت بالعاصمة الجزائرية.
وعلى ضوء تلك المبادرة، بدأ التحرك السياسي، من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، والإدارات الأمريكية المتعاقبة، وصولاً إلى عقد مؤتمر مدريد للسلام، في بداية التسعينيات من القرن المنصرم. وتوجت تلك المبادرات باتفاق أسلو، الذي تعرضنا له بشيء من التفصيل في الحديث السابق.
وعلى المستوى الشعبي، تظاهر الفلسطينيون، في خان يونس، بقطاع غزة احتجاجاً ورفضاً لتصريحات ترامب، كما شهدت مصر والأردن مظاهرات صاخبة، رفضاً لتلك التصريحات. واللافت للنظر هو تحرك حافلات تقل أعداداً كبيرة، من المشاركين، نحو محافظة شمال سيناء، رافعة شعارات ترفض تهجير الفلسطينيين من ديارهم، وتتصدى لتصفية القضية الفلسطينية. وقد حمل المتظاهرون أعلام مصر وفلسطين، تعبيراً عن الأخوّة التاريخية بين الشعبين الشقيقين.
أمام التضامن العربي الوسع، وغير المسبوق منذ عقود طويلة، آن للرئيس الأمريكي، ترامب، ومختلف أركان إدارته، أن يدركوا استحالة عبور مشاريع التصفية، وأن يتخلوا عن أوهامهم في شطب الهوية الفلسطينية، من الذاكرة العربية، فقد بات التمسك بحق الفلسطينيين، في أرضهم عنواناً للكبرياء العربية، وإذا طمحت إدارة ترامب لتحقيق السلام، فأول شروط ذلك هو الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة، فوق ترابه الوطني، وأن تبقى حاضرة للأبد مقولة: «ما ضاع حق وراء مطالب».

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق