التحديات العالمية للمعلومات المضللة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. خالد راشد الزيودي *

أبرز التقرير السنوي للمخاطر العالمية لعام 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، بسويسرا، والذي عُقد خلال الفترة من 20 إلى 24 يناير 2025، المعلومات المضللة كأكبر تحدٍّ عالمي لهذا العام، فاحتلت المعلومات الخاطئة والمضللة المرتبة الأولى في قائمة المخاطر العالمية على المدى القصير، والخامسة على المدى الطويل، وهذا يشير إلى التحدي الذي يواجه العالم في هذا الشأن. 
ويعكس هذا التوجّه التحديات التي تواجه المجتمعات على مستوى العالم، حيث يؤثر في مختلف جوانب حياتنا اليومية بشكل عميق. مع التحول الرقمي المستمر، لم تعد المعلومات المضللة مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبحت جزءاً أساسياً من ديناميكية تهدد استقرار المجتمعات، وتؤثر سلباً في تطورها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، ومن هنا تنبع أهمية التصدي لهذا التحدي الذي يطول حياة الأفراد والمجتمعات.
ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت في حياتنا اليومية، أصبح من السهل الوصول إلى كميات ضخمة من المعلومات، لكن التمييز بين الحقيقة والخيال أصبح أكثر صعوبة، هذا الوضع يزيد من تعقيد المشكلة، حيث يؤدي إلى تشويه الخطاب العام، ما يُعرقل اتخاذ القرارات المستنيرة من قبل الأفراد والمؤسسات على حد سواء على المستوى العالمي، ففي عصر المعلومات الرقمية الحالي، يُصبح التحقق من دقة المعلومات أمراً بالغ الأهمية، وهذا يتطلب من الأفراد تطوير مهارات جديدة ومتقدمة لتحديد المصادر الموثوقة، والتأكد من صحة المحتوى الذي يتلقونه قبل نشره أو تبنّيه، على الرغم من توافر أدوات لتسهيل هذا التحقق، إلا أن اعتماد الأفراد على مصادر غير موثوقة يزيد من تفشي هذه الظاهرة.
إن تأثير المعلومات المضللة يتجاوز الحدود الرقمية ليؤثر في الواقع الاجتماعي، ما يسهم في زيادة التوترات بين الفئات الاجتماعية المختلفة ويضعف الثقة بين الأفراد، هذا يمكن أن يؤدي إلى تفشي حالة من الاستقطاب الاجتماعي، التي بدورها قد تؤدي إلى تدهور الحوار العام والتفاعل المجتمعي في كثير من دول العالم، وتقليل قدرة المجتمعات على التكاتف والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة، هذا التوتر الاجتماعي قد يزيد من الصراعات ويعزز التفرقة بين الأطياف الاجتماعية، مما يفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على المستوى العالمي.
أحد التأثيرات السلبية الرئيسية للمعلومات المضللة هو تأثيرها الكبير على الصحة العامة، فيمكن أن تسهم في نشر معلومات خاطئة تهدد صحة الأفراد والمجتمعات بشكل مباشر، فخلال جائحة كوفيد-19، انتشرت معلومات مغلوطة حول الفيروس وطرق الوقاية والعلاج، ما أدى إلى إرباك الناس وزيادة المخاوف، وبالتالي عرقلت الجهود المبذولة للحد من انتشار المرض والسيطرة عليه، مثل هذه الحالات وغيرها تسلط الضوء على الحاجة الماسة لمكافحة المعلومات المضللة، فتزايد انتشارها قد يجعل من الصعب مواجهة الأزمات الصحية المستقبلية، كما أن انتشار المعلومات المغلوطة في أوقات الأزمات يعزز التشويش العام ويعيق عمليات التوجيه الصحي والتوعية الصحيحة.
على الرغم من أن التكنولوجيا قد أسهمت في انتشار المعلومات المضللة بسرعة، إلا أنها أيضاً تحمل القدرة على أن تكون جزءاً من الحل، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بفاعلية للكشف عن المعلومات المضللة وتصنيفها على أنها غير موثوقة، توفر هذه الأدوات فرصة للكشف المبكر عن الأخبار الكاذبة ومساعدة المنصات في اتخاذ إجراءات استباقية للحد من انتشارها، بالإضافة إلى ذلك، يُمكن لتكنولوجيا تحليل البيانات أن تساعد في اكتشاف الأنماط التي تشير إلى انتشار المعلومات المغلوطة، من خلال هذه الأدوات المتقدمة، يُمكن اتخاذ إجراءات فورية لتصحيح المعلومات أو حجبها قبل أن تتسبب في أضرار واسعة النطاق.
مكافحة المعلومات المضللة تتطلب أن تتحمل منصات الإنترنت مسؤولية المحتوى الذي تنشره، خاصة فيما يتعلق بالأخبار والمعلومات التي تؤثر في الرأي العام، من خلال حوكمة سياسات فعالة على هذه المنصات، يمكن تقليل انتشار الأخبار المغلوطة بشكل كبير، يمكن أن يتضمن ذلك تقديم أدوات وموارد للمستخدمين لتمكينهم من التحقق بسهولة من صحة المعلومات التي يتلقونها، مما يعزز قدرتهم على اتخاذ قرارات أكثر وعياً واستنارة، هذا يسهم في تعزيز مبدأ المساءلة على الإنترنت ودفع الأفراد للتفاعل بشكل أكثر عقلانية مع المعلومات التي تعرض لهم.
إن تعزيز التعليم الرقمي على جميع المستويات يمكن أن يكون أداة فعالة في التوعية ضد المعلومات المضللة، فتزويد الأفراد بمهارات التفكير النقدي منذ مراحل التعليم المبكر، ما يمكنهم من فهم الفروق بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة، وبالتالي التفاعل بشكل أكثر فاعلية مع المعلومات المتاحة لهم، في هذا العصر، يتطلب الأمر المزيد من الوعي، ليس فقط على المستوى الفردي بل أيضاً على المستوى الجماعي، من خلال خلق بيئة رقمية صحية وتعزيز ثقافة التفكير النقدي وتعزيزها في المناهج التعليمية، يمكن أن يشكل خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف، حيث يصبح الأفراد قادرين على مواجهة التحديات الرقمية والتمييز بين الحقيقة والكذب بفاعلية، إن مواجهة المعلومات المضللة ليست مهمة سهلة، لكنها ضرورة لبناء مجتمعات أكثر استقراراً ومرونة في العصر الرقمي الذي نعيشه.

[email protected]

* باحث متخصص في إدارة الأزمات والمخاطر

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق